أخبار البحرين
حريق السوق الشعبي.. وقصص مأساوية
التجار: مصيبتنا مفجعة.. لأنها داهمتنا على أبواب رمضان والعيد
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٢
صحراء قاحلة، ودمار شامل، هذا اقل ما يمكن ان يوصف به سوق المقاصيص، هذا المكان الذي كان بالأمس فقط يعج بتجاره ومرتاديه، يبيعون ويشترون، وتدور الاحاديث بينهم عن حلول شهر رمضان وكيفية الترتيب له، وفي لحظات لا تحتسب من العمر تحول المكان إلى جمرة نار امتدت إلى كل بقعة في السوق اكلت امامها الاخضر واليابس ولم تبق على شيء سوى النزر القليل.
لقد وقف التجار في حالة ذهول يشاهدون بضائعهم وقد أكلتها النيران، وهم عاجزون عن الحركة، لا يعلمون هل يقتحمون النار لتبتلعهم مع بضائعهم التي تمثل كل ما يملكون من رأس مال، ام يستسلمون تاركين امرهم إلى الله ومن بعده إلى جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء، حيث يأملون ان يجدوا لديهم الحل السريع لهذه المأساة التي حولت حياه الفين اسرة إلى كابوس في طرفة عين.
عقب إخماد الحريق قامت الداخلية بإغلاق السوق بالكامل وعدم السماح لأي فرد ايا كان بالدخول مدة اربعة ايام حتى يتم الانتهاء من ألتحقيقات وأيضا لم يسمح لأصحاب المحلات التي تقع في دائرة الحريق بفتح محلاتهم.
اخبار الخليج التقت بعض التجار المتضررين وهم يحاولون ان يصلوا إلى مكان محلاتهم وفرشاتهم آملين أن يكون قد تم انقاذ ولو نزر يسير من أموالهم ولكن لم يتسن لهم ذلك، وقد اقتربنا منهم لمعرفة ظروفهم العائلية، وحجم ما أصابهم من أضرار، وهل كانت بضائعهم مؤمنا عليها؟
في البداية يروي صاحب محل السماهيجي للالكترونيات احمد يوسف احمد حبيد قصته مع سوق الحراج قائلا: اعمل في السوق منذ اثنتي عشر عاما تقريبا، اي بعد ان بدأ السوق بفترة وجيزة، وقد قررت العمل به بعد ان وصلت إلى سن التقاعد، ووضعت مكافأتي بالكامل التي تصل إلى 30 الف دينار في البضائع التي اتي عليها الحريق بالكامل ولم يبق منها شيء، وهذا المحل يصرف على عائلتي المكونة من زوجتين وعشرة ابناء.
ويكمل حديثه متأثرا بما رأه يوم الحريق فيقول: كان يوما عصيبا اذ كنت اتحدث مع اصدقائي وفجأة شب الحريق وحاولت ان اركض كي انقذ اي شيء من رأس مالي ولكني لم استطع الدخول ففي ثوان كانت النيران تلتهم كل شيء ولم اجد امامي سوى ان اقف في صفوف المشاهدين ارى فيلم الرعب الذي دمر كل حياتي المتمثلة في كل ما املك من رأس مال سنوات طويلة من العمل حتى وصلت إلى سن التقاعد، وللأسف لا يوجد تأمين على بضائعنا، ولا نملك المحلات التي احترقت، فالمكان بالكامل ملك شخص يدعى (ابو ورده) ولا نعلم عنه سوى ذلك ولم نره نهائيا، ويحضر الينا شخص اخر لتحصيل الايجار شهريا ولا نعرف هل هذا الشخص وكيل اعمال ابو ورده ام انه يستأجر منه المكان ويقوم بتأجيره الينا بمبلغ ستين دينارا شهريا، ولكن هناك بعض التجار يمتلكون الفرشة الخاصة بهم، ولا نعلم هل ابو ورده لديه تأمين على المكان ام لا؟ وهل سيتم صرف تعويضات؟ ولمن سيتم صرفها؟ وعلى الرغم من انني لا اريد ان اثقل على الحكومة ولكن ليس لنا بعد الله سوى جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء ونناشدهم مساعدتنا بقدر استطاعتهم وبأقصى سرعة، وخاصة أن شهر رمضان الكريم على الأبواب ومن بعده العيد ومن ثم المدارس ونحن تجار نتكسب رزقنا بشكل يومي ولا يوجد لدينا ما نستطيع ان نصرف منه على عائلاتنا سوى تجارتنا التي ذهبت ادراج الرياح.
وعن الحلول التي يرى انها بديلة يقول: توجد قطعة ارض خالية شمال محلات رامز ولا نعرف من صاحبها، ونأمل من الحكومة ان تخصص هذه الارض للمتضررين لان حياتنا ارتبطت بسوق الحراج ولا نستطيع الابتعاد بتجارتنا عن هذه المنطقة، على ان يتم بناؤها بشكل آمن حتى نتجنب فيلم الرعب الذي مر بنا.
الطالب التاجر
اما فارس مهدي هذا الشاب الصغير الذي لم يبلغ السابعة عشر فقد كان يقف مع جده وينظر إلى السوق من بعيد وترتسم على وجهه علامات ألذهول فها قد ضاع مشروع عمره الذي فضل ان يبدأ به حياته العملية بدلا من ضياع الاجازة فيما لا يفيد، فاستأجر فرشة بمبلغ ستين دينارا شهريا ليبدأ من خلالها التجارة الحلال، وفي هذا السياق يقول: ادرس في المرحلة الثانوية وقد قررت ان اعمل في التجارة، فاقترضت من شقيقي الكبير مبلغ الفي دينار كي ابدأ به تجارتي في الأفلام وأغلفة الهواتف النقالة، هذا بالإضافة إلى افلام اخرى تصل قيمتها إلى 300 دينار تخص احد أصدقائي وقد احترق كل شيء ولا ادري كيف اسدد ديوني ومتى استطيع تعويض خسارتي، وخاصة إنني كنت استأجر الفرشة بمبلغ ستين دينارا في الشهر كي امارس تجارتي من خلالها يومي الجمعة والسبت فقط من كل أسبوع ونحن لا نعرف حاليا اذا ما تم صرف تعويضات من الذي يستفيد منها هل هو صاحب الفرشة ام نحن التجار المستأجرون.
حسبي الله ونعم الوكيل هكذا بدأ ابو عبدالله حديثه محتسبا خسارته التي تقدر بأكثر من عشرة ألاف دينار عند الله، متمتما ببضع كلمات غير مفهومة وصوته يختنق بالبكاء نظرا الى ضياع كل ما يملك، اذ يقول اعول زوجتى وخمسة ابناء منهم ابنة ارملة ولديها ثلاث بنات، والحمل ثقيل وأنا رجل تخطيت الستين من عمري ولا اعلم كيف استطيع الاستمرار في تحمل مسئولياتي بعد هذه الخسارة، فقد كانت تجارتي على الرغم من مكسبها القليل اذ كنت اتاجر في الروائح إلا ان الله سبحانه وتعالى كان يرزقني برزق أبنائي ولكن الان لا اعلم ماذا افعل ولا يوجد تأمين ولا نعلم من يعوضنا عن هذا الضرر.
وعن كيفية ردة فعله اثناء الحريق يقول: لم اصدق وقتها ما كنت اشاهده اذ شعرت ان اقدامي سمرت في الارض وأصبت بشبه شلل، من هول ما رأت عيناي فقد شعرت ان النار تخرج علينا من باطن الأرض لتلتهم ارزاقنا وماضينا ومستقبل ابنائنا، ومر شريط حياتي امامي فوجدت انني بعد سنوات طويلة من الشقاء والحياة العصيبة لم استطع ان اوفر لأبنائي مستقبلا آمنا اذ ان رأس مالي ضاع وضاعت معه آمالي وأحلام ابنائي وأحفادي الايتام في ان يحيوا حياة وان لم تكن مرفهة ولكن على الأقل آمنة إلى حد ما.
رزق يومي
صاحب محلات السيف للأثاث ابراهيم محمد، لم يتضرر محله من الحريق اذ يُعد احد المحلات القليلة التي لم تصل اليها النيران، يتحدث عن مدى الضرر الذي اصاب المحلات التي احترقت قائلا: هذا الحريق اصاب جميع تجار السوق بالضرر سواء ممن احترقت محلاتهم او من لم يمتد اليهم الحريق، اذ تم اغلاق السوق بالكامل ومنعنا من الدخول إلى محلاتنا مدة اربعة أيام فإذا كان ذلك فهو يعد خراب بالنسبة لنا لان رزقنا يوما بيوم، فماذا نقول عن من احترقت محلاتهم بالكامل، ومن يعوضهم عن هذه الخسائر، الا يكفي اننا نعمل في مكان غير امن وغير ادمي فكل صاحب (فرشة) في السوق لديه عائلة كبيرة، ما يعنى ان عدد المتضررين فعليا يصل إلى 2000 فرد يمثلون التجار وعائلاتهم، هذا بالإضافة إلى وجود 2000 بسطة صغيرة يستأجرها صغار التجار لعرض بضائعهم وقد اتت عليها النيران بالكامل.
ويكمل قائلا: لقد حضر الينا وزير البلديات دكتور جمعة الكعبي منذ اسبوع وتحدث معنا ورأى ما آل اليه حالنا، ونأمل ان تكون هناك اصلاحات سريعة وان يتم تنظيم السوق بشكل جيد.
أما أبوعبدالرحمن صاحب مفروشات ومحلات أثات في السوق الشعبي فيقول ان زيارة سمو رئيس الوزراء قد أثلجت صدورنا ومنحتنا أملا جديدا في تعويض الخسائر الفادحة التي تعرضنا لها وخاصة أننا لم نعد قادرين على إحصائها وكل هذا نتيجة إهمال وزارة البلديات لهذا السوق الذي يقبل عليه الكثير من المواطنين لأنه يتناسب وميزانياتهم، وعلى الرغم من أننا طالبنا أكثر من مرة بضرورة العمل على وضع مخطط متكامل لهذا المرفق الحيوي إلا أن البلدية تجاهلت مطالبنا بشكل كامل، وقد كانت لها عدة محاولات لإخراجهم من هذا المكان، مع العلم بأنه خلال الاسبوع الماضي كانت هناك مشكلة في السوق وتفضل وزير البلديات ووعدنا خيرا بتعديل الأوضاع، وخصوصا إن المشكلة كانت عبارة عن نوع من التميز وفي المخالفات الممنوحة لتجار السوق وبعد هذه المشكلة بتنا متوقعين أن يحدث لنا أي أمر لأن موضوع الحرائق ليس بالجديد علينا وهذه هي المرة الخامسة التي تتعرض بعض محلات السوق للحرق، والجدير بالذكر أن مشكلة السوق كانت قائمة منذ فترة قبل الأزمة الاخيرة التي تعرضت لها البحرين، حيث كان يريد احد المستثمرين الأجانب شراء الأرض التي يقام عليها السوق لتحويلها إلى مشروع استثماري.
لذلك فنحن نطالب البلدية بضرورة العمل على تعديل أوضاع السوق لأن المواطن هو المستفيد من وجودنا ولا يجب أن يتم اخراجنا بل ان هناك ضرورة قصوى لأهمية إعادة بناء السوق بشكل حضاري حتى تقبل شركات التأمين أن نؤمن على محلاتنا لأن الخسائر التي تكبدناها من الحريق كبيرة جدا ونحتاج إلى سنوات طوال حتى نكون قادرين على تعويضها لأنها وبكل بساطة خارج نطاق التأمين، فضلا عن مشكلة السجلات التي نواجه عدة مشاكل عند تجديدها.
اعادة السوق
ويطالب سيف ناجي سيف صاحب محلات المطابخ والمفروشات بضرورة العمل على الإسراع بفتح السوق حتى نقوم بتعديل أوضاعنا وحصد قيمة الخسائر التي تعرضنا لها والتي لن نكون قادرين على تعويضها إلا بعد سنوات طويلة، وعلى الرغم من أننا كنا متوقعين حدوث هذا الأمر بعد المشكلة الأخيرة مع وزارة البلدية بسبب الاجراءات التعسفية والشروط التعجيزية التي يتم تطبيقها علينا، والغريب في الأمر أن الحريق قد بدأ في سوق (المقاصيص) وهذا المكان لا توجد به كهرباء لأنه لا يتم العمل به إلا في خلال الإجازة الاسبوعية.
ومن هذا المنبر نناشد رئيس الوزراء الموقر بالنظر في أوضاع التجار الضعفاء والذين كان الضرر عليهم كبيرا جدا والفائدة التي يتحصلون عليها من تجارتهم في السابق غير قادرة على تغطية الخسائر التي تكبدناها بسبب هذا الحريق المشؤوم خصوصا وإن أسرنا ستدفع الثمن وشهر رمضان قادم على الابواب.
محمد عبده مسعد الوعيل تاجر مفروشات يؤكد أن الصدمة التي تعرض لها من جراء هذا الحريق لم يفق منها بعد وخصوصا إن ورشته قد احترقت بالكامل ولم يبق منها شيء وعلى الرغم من أن عماله حاولوا انقاذ ما يمكن انقاذه ولكنه في نهاية الامر كانت أرواحهم هي الأهم فكم هو مؤلم أن ترى بعينيك كل جهد السنين يتبخر في لحظات، ومن جهة أخرى فنحن مطالبين بتعويض الزبائن وتلبية طلباتهم على الرغم من أن الخسائر التي تعرضنا إليها كانت فادحة فنحن مطالبون بتسليم عدد كبير من الطلبات للزبائن الذين دفعوا مقدمات كبيرة فأقل فاتورة تم دفعها 300 دينار، وأنا الآن أشعر بحزن شديد لأن الزبائن يرغبون بالحصول على طلباتهم قبل شهر رمضان وإلا لن يقوموا باستلامها وسيطالبوننا بإرجاع المقدم لأننا قد أخلينا بشروط التسليم لذلك فنحن نطالب وزارة الداخلية بفتح المجال أمامنا للدخول وحصد كل الخسائر التي تعرضنا لها واستئناف عملنا حتى نوفي الزبائن حقهم ونعوض الخسائر التي تعرضنا لها.
مهددون بالتسريح
أما العمال الذين كانوا متواجدين في محلاتهم وقت الحريق فأفادوا بأنهم حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه وخصوصا إن الحريق قد انتشر بصورة هائلة ولم يتم السيطرة عليه بسرعة مما زاد الأمر سوءا ويقولون أن هذه المصيبة التي ألمت بمكان رزقنا قد آلمتنا بشكل كبير لأننا لم نكن قادرين على مواجهتها فقد كانت فوق احتمالاتنا، كما إننا مهددين بانقطاع مصدر رزقنا لو لم تتم معالجة الأمور من قبل كل الجهات المعنية فنحن لدينا عوائل وأطفال وشهر رمضان على الأبواب ومن هذا المنطلق نناشد كل الجهات المنوطة بهذا الأمر وعلى رأسهم رئيس الوزراء الموقر بالنظر في حالنا ومساعدتنا على مواجهة هذه الطامة الكبرى التي وقعت على رؤوسنا في دقائق معدودة بدون معرفة الاسباب الحقيقية لحدوثها.
أبوجلال وهو عامل بأحد المحلات التجارية متألم كثيرا مما حدث لأن معظم العاملين في هذا السوق قد يكونون مهددين بالتسريح إذا لم يتم فتحه وتعديل أوضاعه وخصوصا إن خسارة التجار كانت فادحة جدا، ولكن صدمة العاملين من هول ما رأوا جعلهم يخافون على مصيرهم، فنحن لدينا أسر تحتاج إلى مصدر رزق ثابت حتى تعيش بكرامتها فأطفالنا مهددون بالجوع إن تم تأخير فتح المحلات، ونحن نطالب بضرورة العمل على مساعدة العاملين في هذا السوق المهمل من قبل كل الجهات المعنية وأن تقوم وزارة العمل بمساعدتنا ومنحنا رواتب بدل التعطل حتى نكون قادرين على القيام بواجباتنا تجاه أسرنا خلال الشهر الفضيل.