الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


هل عادت الماكارثية من جديد إلى أمريكا؟

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٢



قبل بضعة أسابيع سعت عضو مجلس النواب ميشيل باكمان - الباحثة عن الإثارة - إلى تقليد السيناتور الأمريكي السابق جوزيف ماكارثي كأحسن ما يكون. فقد عمدت هي وأربعة من زملائها في مجاس النواب الأمريكي إلى نشر فحوى رسائل جماعية كانوا قد أرسلوها إلى المفتشين العامين في وزارات الخارجية والعدل والدفاع والأمن الداخلي وإدارة المخابرات وطالبوهم بفتح تحقيق لمعرفة ما إذا كان "أفراد ومنظمات مرتبطة مع جماعة الإخوان المسلمين قاموا بأي عملية للتأثير على السياسات الأمنية القومية التي تنتهجها الإدارة الفيدرالية الأمريكية".
لقد حذر هؤلاء النواب من "الجهود المتزايدة التي تبذلها حركة الإخوان المسلمين من أجل التغلغل في الإدارة الأمريكية وتقويضها من الداخل في إطار استراتيجية الجهاد الحضاري التي ينتهجونها".
طالب هؤلاء النواب أيضا المفتشين العامين في الوزارات والإدارات المذكورة بالعمل على تحديد الشخصيات الإسلامية التي تسعى للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية.
لقد استندت ميشيل باكمان وبقية النواب معها في إطلاقهم تلك الاتهامات إلى نتائج العمل الذي قام به مركز السياسة الأمنية الذي يتخذ من واشنطن مقرا له.
لقد اشتهر هذا المركز بالدور الكبير الذي يلعبه في صناعة العداء الموجه ضد الإسلام والمسلمين، فقد ظلت هذه المؤسسة البحثية تعمل على مدى السنوات الماضية على تشويه الجماعات والمنظمات الإسلامية الأمريكية، علما بأن رئيس هذا المركز عمل ضمن فريق المستشارين التابعين للنائبة ميشيل باكمان خلال حملتها الفاشلة في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية في مرحلتها التمهيدية. لم يأت النواب في رسائلهم الجماعية إلا على ذكر هذا المركز المعادي للمسلمين وخاصة برنامجه التدريبي على وجه التحديد الذي جاء تحت عنوان: "الإخوان المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية: العدو الداخلي".
إن أقل ما يقال عن الأدلة التي ضمنها هؤلاء النواب في رسائلهم انها واهية في أغلب الحالات التي أتوا على ذكرها وهي ترمي إلى إثارة زوبعة في فنجان. فعلى سبيل المثال حمل عضو مجلس النواب جوهمرت على الإدارة الأمريكية واتهمها بمواصلة "الخضوع للجماعات التي تسعى لتدمير الحضارة الغربية من الداخل" وهو يشير من خلال كلامه إلى اعتذار إدارة الرئيس باراك أوباما رسميا عن حادثة تدنيس وإحراق القرآن الكريم في أفغانستان. يشير جوهمرت أيضا إلى استمرار الادارة الأمريكية في عقد سلسلة من الاجتماعات مع الجماعات الإسلامية، الأمر الذي جعل سلطات واشنطن بحسب رأيه تتعامى عن الخطر الذي يمثله هؤلاء المسلمون والذي يتهدد "قدرتنا على حماية أنفسنا".
توجه عضو مجلس النواب الأمريكي ميشيل باكمان ومركز الدراسات الأمنية في واشنطن أصابع الاتهام على وجه الخصوص إلى بعض المسلمين الذين يعملون في صلب الإداراة الأمريكية. لقد تم التركيز على وجه الخصوص في هما عابدين (nidebA amuH)، نائبة رئيس هيئة موظفي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون.
إن الجدل الذي أثاره هؤلاء بخصوص عابدين لا تخلو من عبث حد الغرابة. فوالداها مسلمان كما أن والدها قد درس في إحدى الجامعات الاسلامية في المملكة العربية السعودية لذلك فلابد أنهما من جماعة الفكر الإسلامي الأصولي.
لقد نشرت صحيفة واشنطن تايمز اليمينية مقالا مستلهما من عمل مركز السياسات الأمنية في واشنطن طعن فيه كاتبه في نزاهة وإخلاص هما عابدين وتساءل عما إذا كانت قد تلقت تربية معينة من أجل نشر الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية.
بل إن كاتب المقالة وصل به الأمر إلى حد القول إن زواج هما عابدين من عضو يهودي في الكونجرس الأمريكي خدعة ذكية تنم عن دهاء من أجل التغطية على حقيقة "أجندتها الإسلامية".
ما الدليل على ذلك؟
بما أن هما عابدين مسلمة فما السبب الذي جعل عائلتها المسلمة توافق على زواجها من رجل غير مسلم؟ زد على ذلك تعمل هما عابدين مع الرئيس ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون اللذين يحملان - بحسب مزاعم كاتب المقال - "أجندة اشتراكية" تتضمن هيمنة العالم الذي يقوده المسلمون على الولايات المتحدة الأمريكية.
كلما تكلم دعاة عقلية المؤامرة ازدادت خطورة ما يسوقونه من اتهامات ومزاعم وافتراءات. لا شك أن الهوس الذي أصاب عضو مجلس النواب الأمريكي ميشيل باكمان خير دليل على هذا الأمر. ففي حوار صحفي أجري معها مؤخرا أسهبت في الحديث عن الجهود التي تقودها وقالت فيما قالت: "يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين قد استطاعت التغلغل في أروقة الإدارة الأمريكية.. يبدو أن هناك أناسا مرتبطين بالإخوان المسلمين يشغلون وظائف حساسة جدا في وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي.. أنا أطالب بفتح تحقيق لمعرفة ما إذا كان هؤلاء الناس على علاقة بالإخوان المسلمين فعلا ومعرفة مدى وصولهم إلى المعلومة".
لنتمعن أولا في أعضاء الكونجرس الأمريكي الخمسة الذين وقعوا الرسائل؛ فميشيل باكمان وتوم روني ولين وستمورلاند أعضاء في لجنة المخابرات في مجلس النواب الأمريكي. أما ترنت فرنكس ولويس جوهمرت فهما عضوان في اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي. وباستثناء ميشيل باكمان فإن بقية النواب يتقلدون مناصب قيادية سواء داخل لجانهم أو في قواعد الحزب الجمهوري الأمريكي.
إن هذه المجموعة قادرة بلا شك على التأثير في السياسات الأمريكية. فعلى سبيل المثال استضاف برنامج حواري إذاعي رئيس لجنة المخابرات المؤثر مايك روجرز الذي اعتبر أن الحملة التي تقودها ميشيل باكمان من أجل "اقتلاع" المسلمين "على قدر كبير من الأهمية" وأشاد بها معتبرا أنها تلعب دورا قياديا بخصوص هذه المسألة. للعلم فإن رئيس مركز السياسات الأمنية هو الذي يتولى إدارة هذا البرنامج الحواري الإذاعي.
ومثلما كان عليه الأمر في عهد السيناتور جوزيف ماكارثي، فإن "الحرب الشعواء على السحرة" تخلف الضحايا حيث إن الأمر لا يتعلق فقط بفقدان الناس المستهدفين لوظائفهم بل إن الأمر يتعدى ذلك كله ليصل إلى حد تدمير المستقبل والقضاء على الأمل في الحياة.
لعل ما يحير أكثر ذلك الرعب الذي يشعر به أولئك الذين لم تذكر أسماؤهم في هذه الحملات المغرضة غير أنهم يعيشون في خوف شديد خشية أن يتخذ دينهم أو انتماؤهم العرقي مطية حتى توجه لهم أصابع الاتهام ويصبحوا بالتالي موضع شك وريبة، فيمنعوا بذلك من تولي الوظائف ويحرموا بالتالي من أي ترق وظيفي.
أنا أعلم جيدا من خلال تجربتي الشخصية المريرة أن هذه الحملات تدفع المسئولين إلى ازدراء جماعات وأقليات بأكملها خشية أن يتم اتهامهم بالارتباط بجماعة صنفت على أنها "خطيرة".
نظرا إلى قلة القادة الشجعان في واشنطن فإن هذه الحملات سوف تتفاقم وتزداد تعفنا ويسقط جراؤها الكثير من الضحايا قبل أن يجد مدبروها من يتحداهم ويلحق بهم الهزيمة.
لهذا السبب أود أن أعبر عن شكري وعظيم امتناني للدائرة الانتخابية الخامسة في ولاية مينوسوتا لاختيارهم كيث إليسون وإيصاله إلى الكونجرس الأمريكي. فهو ذكي ويعرف كيف يدير معاركه، كما أنه صاحب مبدأ وشجاع ويقدم على تحمل مسؤولياته إزاء بعض القضايا الحساسة فيما يعرض عنها الآخرون ويتوارون عن الأنظار تماما. لقد كسب كيث إليسون احترام زملائه نظرا إلى الأسلوب الرصين والعقلاني الذي يتعامل به مع كل القضايا.
لقد برهن كيث إليسون هذا الأسبوع على ما يتمتع به من خصال قيادية حيث انه تحدى مباشرة عضو مجلس النواب الأمريكي المعادية للإسلام والمسلمين والباحثة عن الإثارة وجلب الاهتمام ميشيل باكمان. ففي رسالة شديدة اللهجة طالب ميشيل باكمان ومن لف لفها بتزويد مكتبه "بالتفاصيل الكاملة عن المصادر التي استندوا إليها في توجيه هذه الاتهامات الخطيرة للأفراد والمنظمات التي ورد ذكرها في رسائلكم. إذا لم يكن لديكم أي دليل حقيقي ودامغ على مزاعمكم فإنني آمل أن تبرئوا الأشخاص والمنظمات الذين ذكرتموهم علنا وتردوا لهم اعتبارهم على الملأ".
* رئيس المعهد العربي الأمريكي