الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


الرئيس المصري الجديد أمام تحديات كبيرة

تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٢



لقد تنفس الكثير من الناس الصعداء حيث إن الرئيس المصري الجديد محمد مرسي بذل قصارى جهده من أجل تهدئة الخواطر وطمأنة منافسيه.
إن المظاهرة المليونية التي احتشدت في ميدان التحرير في القاهرة لم تمثل المظهر الوحيد للاحتفال بوصول القيادي الإخواني محمد مرسي إلى سدة الرئاسة. بل إن البورصة المصرية أبت إلا أن تحتفل بالحدث حيث إن مؤشرها العام عاد إلى الارتفاع بشكل ملحوظ بعد أن كان قد سجل هبوطا حادا خلال الأسبوعين الفاصلين ما بين الجولتين الأولى والثانية في أول انتخابات رئاسية حرة تشهدها مصر على مدى تاريخها الطويل. فقد ارتفع مؤشر المبادات بحوالي ثمانية بالمائة في أول جلسة بعد تأكد فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية يوم 24 يونيو .2012
لقد حصل مرشح الاخوان المسلمين على زهاء 25% من الأصوات الانتخابية علما بأن نسبة المشاركة كانت متواضعة وهو ما عكس مناخا من انعدام الثقة بل والخوف من حركة الإخوان المسلمين المعروفة بحنكتها التنظيمية العالية والتي تتهم دائما -سواء في مصر أو في خارجها- باعتماد ازدواجية الخطاب وأنها تخفي سعيها للتغول على السلطة وإقصاء المنافسين وتهميشهم وإذابة التنوع في المشهد السياسي. رغم ذلك فقد اعتبر الكثير من خصوم الاخوان المسلمين أنه لا مناص لهم من دعم محمد مرسي لأن العكس كان سيمسح بفوز الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس للوزراء قبل تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه يوم 11 فبراير .2011 فقد ازدادت المخاوف من أن وصول أحمد شفيق إلى سدة الرئاسة سيكرس انتصار الثورة المضادة ويعيد مصر إلى المربع الأول ويفجر موجة من اعمال العنف نتيجة الإحباط والشعور بأن كل تلك التضحيات ذهبت سدى.
انتهت الجولة الانتخابية الثانية يوم 17 يونيو 2012 غير أن عمل اللجنة العليا للانتخابات استغرق أسبوعا كاملا قبل إعلان النتيجة النهائية. يعرف الاخوان المسلمون بسجلهم الكبير في دقة النتائج الانتخابية لذلك سارعوا منذ الساعات الأولى لعمليات الفرز إلى إعلان فوز مرشحهم محمد مرسي خوفا من أي التفاف على عمليات الفرز وإقدام "بقايا النظام"، وبالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية على التلاعب بالأرقام.
في خضم تلك المخاوف الداخلية والخارجية اتخذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية إلى إصدار سلسلة من القرارات الرامية إلى تعزيز سلطاته على حساب أي رئيس منتخب في مصر وخاصة مرشح الاخوان المسلمين. شملت هذه القرارات حل مجلس الشعب المنتخب بناء على حكم قضاء مثير للجدل علما بأن الاخوان المسلمين والسلفيين يسيطرون على أغلب مقاعد أول برلمان منتخب في مصر في فترة ما بعد حسني مبارك.
لقد أبقت اللجنة للانتخابات على حالة التشويق والترقب الصعبة التي شنجت الأعصاب وأطلقت العنان للتأويلات والتخمينات والتصريحات والتصريحات المضادة حتى آخر لحظة حيث ألقى رئيسها البيان الختامي وأسهب في سرد التفصيل المملة - على أهميتها لدحض أي تلاعب - ليعلن في النهاية عن فوز مرشح الاخوان المسلمين بمقعد الرئاسية علمان وأن النتائج التي كانت قد أعلنتها حركة الاخوان المسلمين منذ الساعات الأولى للفرز تختلف عن الأرقام الرسمية النهائية بنسبة لا تتجاوز صفر فاصل سبعة عشر في المائة.
إن ذلك التشويق وتلك المخاوف المشروعة غطت إلى حين على حجم الصعوبات والتحديات التي سيواجهها الرئيس الجديد المنتخب محمد مرسي - الذي سيجد كومة من الملفات الشائكة والمتراكمة على مكتبه. لقد تحرك الرئيس محمد مرسي بسرعة وراح يرسل إشارات بهدف تهدئة الأنفس وطمأنة كل الأطراف المتخوفة من وصول الإخوان المسلمين إلى أعلى هرم السلطة. ففي خطاب تنصيبه رسميا رئيسا لمصر، مد الرئيس مرسي يده إلى مختلف الأقليات وتعهد بالتركيز على المشاكل الحقيقية مثل الاختناقات المرورية والانفلات الأمني وتراكم القمامة وعدة مشاكل أخرى ازدادت حدة بسبب الفوضى الثورية.
لقد سعى الرئيس محمد مرسي منذ البداية إلى تكريس روح المصالحة حيث إنه حرص على الاجتماع بقيادات الأجهزة الأمنية وأرضى الثوار حيث إنه قام بأول زيارة رسمية له للقصر الرئاسي رفقة أمهات شهداء الثورة المصرية كما أنه استقال من حركة الاخوان المسلمين والحزب السياسي المتفرع عنها - حزب العدالة والحرية.
ألمح المساعدون المقربون من الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى أن الحكومة المصرية التي ستتشكل ستضم عددا محدودا فقط من المنتمين إلى الإخوان المسلمين.
لقد أمكن تجاوز الإشكالية التي طفت على السطح حيث إن الرئيس المنتخب محمد مرسي أدى اليمين يوم 30 يونيو 2012 أمام هيئة المحكمة الدستورية في غياب البرلمان الذي تم حله بقراره من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري، الذي استند إلى حكم قضائي أسال الكثير من الحبر.
أما الإشكالية الأخرى الأكثر أهمية فهي تلك التي تتعلق بالسلطات التي منحها لنفسه المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية والتي تشمل الصلاحيات التشريعية التي كان يختص بها مجلس الشعب قبل حله، إضافة إلى التحكم في ميزانية الدولة المصرية والأمن القومي المصري وكل ما يتعلق بالأمن الداخلي والخارجي والسياسة الخارجية.
لقد اتخذ المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية أيضا قرار بحل الهيئة التأسيسية التي ستكلف بصياغة الدستور الجديد ليتم تشكل لجنة جديدة أكثر "توازنا". تم تأجيل البت في القضية المرفوعة في المحاكم المصرية ضد حل مجلس الشعب المنتخب. في الأثناء استردت الدولة المدنية المصرية بعض سماتها حيث إن المحكمة أصدرت قرارا اتخذه المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية وأعطى من خلال الأجهزة الأمنية سلطة القيام باعتقالات عند الضرورة حفاظا على الأمن العام.
لا شك أن مثل هذه التنازلات - على محدوديتها - تظهر بأن المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين وصولا إلى صيغة معينة للتعايش في المشهد السياسي الجديد في مصر تفاديا لأي صدام تكون فيه مصر هي الخاسر الأكبر. فالضرورة تقضي بقاء مثل هذه الصلاحيات بأيدي المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة التي تمر بها مصر.
في الوقت الذي تظل فيه صلاحيات الرئيس محمد مرسي في حاجة إلى التوضيح فيما تتفاقم المشاكل الاقتصادية. فقد تجاوز العجز في الميزانية نسبة 10% من الناتج الداخلي الخام.