الجريدة اليومية الأولى في البحرين


خاطرة

.. وجاء رمضان

تاريخ النشر : الجمعة ٢٠ يوليو ٢٠١٢

عبدالرحمن فلاح




هذا العنوان قد يبدو غريبا بعض الشيء، فرمضان مثله مثل جميع الشهور لابد ان يجيء عندما يحين موعده، فما الجديد بقولنا: رمضان.. جاء؟
لا شك أن مجيء رمضان ليس كمجيء بقية الشهور، إنه الشهر الذي التقت فيه السماء مع الأرض في موعد جليل قدره الله تعالى في علمه الأزلي.
فمجيء رمضان له خصوصية لا يتمتع بها غيره من الشهور، إنه الشهر الذي فتحت فيه أبواب السماء فانهالت البركات على أهل الأرض بنزول أعظم كتاب انزله الله تعالى على أعظم رسول لأعظم أمة.
نعم، الكتاب عظيم لأنه الوحيد الذي نال شرف العناية الإلهية فتعهد الحق تبارك وتعالى بحفظه، ورد يد الطاعنين والمحرفين عن أن ينالوه بسوء، فقال سبحانه وتعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (سورة الحجر/9). فسجل الحق تبارك وتعالى أصل هذا الكتاب وتعهد بحفظه.
وقال في موضع الحصانة الإلهية لنصوص هذا الكتاب العظيم: "... وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)" (سورة فصلت).
نعم، في رمضان - وليس في أي شهر آخر- اتصلت السماء بالأرض من خلال معجزة خالدة خلود الزمان، وستظل كذلك شاهدة على الإنسان في ترقيه وترديه.
في رمضان تناثر عقد من اللآلئ والدر المكنون، نثرها الحق تبارك وتعالى على رسوله ومصطفاه (صلى الله عليه وسلم)، ونقلها (صلى الله عليه وسلم) إلى أمته ليرسم لها بقيمه ومبادئه وأخلاقياته معالم الصراط المستقيم الذي سار عليه الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون وكل من اقتفى أثرهم وسار على نهجهم.
نعم، في رمضان اتضحت معالم الخير ومعالم الشر، وانقسم الناس إلى مؤمنين وإلى كفار، وصار هناك فسطاطان: فسطاط إيمان لا كفر فيه، وفسطاط كفر لا إيمان فيه.
كل ذلك حدث في رمضان، ولهذا جعل الله تعالى في هذا الشهر العظيم ليلة مباركة ذات قدر عظيم هي خير من ألف شهر في غيره:
"إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر (5)" (سورة القدر).
وقال عنها سبحانه في سورة أخرى إنها ليلة مباركة أي كثيرة البركة والعطاء، قال سبحانه: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين(3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4) أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين (5) رحمة من ربك إنه هو السميع العليم (6)" (سورة الدخان).
في رمضان تتغير طبائع الناس، ويكلفون بأوامر ونواه لم يكلفوا بها في غير رمضان. في بقية شهور السنة المسلم منهي عن المحرمات من المطعومات والمشروبات والشهوات، ولكن في رمضان زيادة على ذلك، فهو منهي عن المباحات في نهار رمضان لهذا صار لرمضان خصوصية على باقي الشهور، وصار له مذاق وطعم خاصان لا نتذوقهما ولا نستطعمهما في غيره من الشهور.
وفي رمضان تتأكد عند الإنسان إرادته الحرة التي كان يشك فيها في غير رمضان، ويكتشف الإنسان إمكاناته الهائلة، وقدراته العظيمة، مما يجعله مؤهلا بعد رمضان أن يكون عند حسن ظن الله تعالى به، لهذا قلنا: وجاء رمضان رغم انه كبقية الشهور لابد أن يجيء إذا حان موعده، ولكن تخصيصه بهذا العنوان حتى نلفت الأبصار والبصائر إلى ما يحمله معه من عطاء وبركة يجعلنا نحتفي بمجيئه على هيئة تفوق إخوانه من الشهور.