الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل

هل يستعيد المصريون أموالهم المنهوبة ؟

تاريخ النشر : الجمعة ٢٠ يوليو ٢٠١٢



ما ان نطق القاضي بحكم البراءة لصالح نجلي الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حتى توالت التحليلات والتكهنات بشأن مصير ثروة مبارك الأب، وابنه جمال على وجه الخصوص، وما اذا كانت السلطات المصرية ستتمكن من وضع يدها على هذه الأموال الطائلة، أم أن حكم البراءة يلغي تهم الفساد والأحكام السابقة بضرورة مصادرة اموال وممتلكات آل مبارك؟
في هذا السياق، أكد محامون وخبراء اقتصاديون أن الحكم بالبراءة لا شك سيضر بملف عودة الأموال المهربة للخارج من قبل أركان النظام السابق، فيما اعتبر قسم آخر أن الحكم الاخير لا يقف حجر عثرة امام استرداد اموال مبارك.
"اورينت برس" أعدت التقرير التالي:
بمجرد صدور حكم محكمة الجنايات في القاهرة، وتبرئة كل من جمال وعلاء مبارك من تهم الفساد والتربح واستغلال النفوذ، حتى كثرت التساؤلات بشأن مصير الأموال المصرية التي استولى عليها الرجلان، وهي عبارة عن الثروات الوطنية المنهوبة والمهربة للخارج.
وما بين قائل ان الاموال ستسترد حتما بغض النظر عن الحكم الأخير، ورأي آخر بأن الحكم يقضي على الأمل في استرجاع اموال المصريين اختلطت الآراء وغابت الكلمة الفصل.
اليوم، يعتبر محللون اقتصاديون وخبراء قانون ان حكم المحكمة الصادر يلغي الاحكام السابقة بضرورة استرجاع الاموال المنهوبة اذ انه ينفي تهم الفساد والاستغلال والتربح عن المتهمين، فيما الامل لايزال معقودا على النقض كي تعمل على إعادة الأمور لنصابها.
أما اللجنة القضائية التي تشكلت لاسترداد الأموال من الخارج فتلقت صفعة قوية جراء الحكم الاخير لكنها لم تيأس وعادت وتقدمت بدعوى قضائية جديدة ضد ابني الرئيس المخلوع تتهمهما فيها بغسل الأموال على الأراضي المصرية والسويسرية.

آراء متعارضة
هناك من الخبراء في القانون من يؤكد ان مصر تستطيع استرداد الأموال المنهوبة عن طريق الاستعانة بالاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، لكن الأمر يستلزم صدور حكم نهائي في حق المتهمين بالفساد، ومن هربوا أموالهم للخارج، مشيرين إلى أن الحكم الذي صدر ببراءة مبارك ونجليه وشريكهم حسين سالم يتعلق بجنايتي استغلال النفوذ والتربح، استنادا إلى انقضاء الدعوى بالتقادم في حين أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية وهما تعتبران جزءا من القانون المصري تنصان على عدم سقوط الدعاوى الخاصة بالفساد بالتقادم مهما طال الزمن والأمر ذاته نص عليه دستور71 في إحدى مواده، وبالتالي فإن ما تضمنه الحكم بإسقاط هذه الدعاوى هو محل جدل.
أما اصحاب الرأي الآخر فيؤكدون انه بالنسبة للأموال المنهوبة فإن هذا الحكم قضى على أمل استردادها لعدة أسباب أولها أن الحكم استند إلى مبدأ وهو سقوط الجناية بمضي المدة التي حددها بعشر سنوات ومعنى ذلك أن جميع الجرائم الخاصة بالمال العام سقطت بالتقادم، وبالتالي لن يتمكن المصريون من استرداد الأموال المحولة للخارج لأن مصر لن تتمكن من إثبات مصدرها غير المشروع فهذه الأموال مر عليها عشر سنوات وتعد بذلك قرينة ستتمسك بها المحاكم الأجنبية والمؤسسات المالية للامتناع عن رد أموال مصر المنهوبة. كما ان البراءة التي حصل عليها مبارك وولداه بشأن استغلال النفوذ تعطيهم قرينة البراءة التي سيستخدمونها أمام القضاء الأجنبي والجهات والمؤسسات الدولية لإعاقة أي إجراءات بشأن الكشف عن أو تتبع أو تجميد أو استرداد الأموال. علما ان بعض البنوك التي تحوي هذه الاموال في أوروبا وجزر الباهاماس وجيرسي ايلند وبنوكا أخرى في جزر المحيط الأطلسي لا يمكن إلزامها بتنفيذ أي أحكام قضائية وهي لا تخضع للتفتيش ومن ثم فإن استرداد الأموال المودعة بها أمر مستحيل لأن هذه البنوك تتولى نقل الأموال فيما بينها فور علمها بوجود خطوات أو صدور أحكام بشأن هذه الأموال وبالتالي فهي تتعرض للتآكل بسبب نقلها من بنك إلى آخر.
صدمة كبيرة
لا شك ان الثوار المصريين اصيبوا بصدمة كبيرة جراء صدور احكام محكمة الجنايات فيما يمكن وصفه بـ"محاكمة القرن" وخصوصا ان تبرئة الأشخاص الذين دأبوا على سرقة مقدرات البلاد وثرواتها تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد ككل، وليس استرداد الأموال المنهوبة فقط، فخلو الحكم من أي عقوبة على الفساد المالي الذي مارسه عدد من المتهمين، بتهمة التربح واستغلال النفوذ، يشير إلى أن القوانين في مصر غير رادعة لقضايا الفساد، ويشير أيضا إلى أن الفساد منتشر في مجال الأعمال ولا يمكن الحد منه حتى بعد الثورة وبالتالي لن تكون هذه الفكرة مشجعة على جذب الاستثمارات إلى البلاد لمساعدة الاقتصاد المنهك على الوقوف على قدميه من جديد بعد ما اصابه من ضرر كبير خلال العام الماضي جراء توقف الكثير من الاعمال والمشاريع.
وبحسب الرأي القانوني المحض البعيد عن المشاعر فإن براءة نجلي مبارك من التربح لانقضاء المدة معناها أن كل الأموال التي هرباها إلى الخارج من حقهما وليس من حق الحكومة استردادها، بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية الموجود بها هذه الأموال ستتجه إلى استصدار أحكام قضائية بتهمة غسل الأموال، وبالتالي مصادرة الأموال لصالحها وهو امر كانت تطمح اليه منذ البداية، وبالتالي بكل الاحوال لن يتمكن المصريون ولا آل مبارك من استرداد الاموال.
فالحكم بالبراءة على المتهمين بالتربح واستغلال النفوذ وتهريب أموال إلى الخارج سيدفع حكومات الدول الأجنبية لرفض أي طلب لرد الأموال المهربة، في حالة عدم وجود حل حقيقي في الشارع المصري.
من جانبهم، لا شك أن محامي مبارك وأعوانه سيستغلون الحكم في رفع التجميد الصادر من قبل بعض الدول على أموال أركان النظام السابق في مصارفها، التي جمدتها بناء على بعض المخاطبات، وضغوط الجالية المصرية بها، وبعض محاولات المنظمات غير الحكومية في هذا الملف، حيث إن إدانة المتهمين قانونيا تعد أحد أسس استعادة الأموال. وبالتالي للمحامين الحق في طلب استعادة الاموال الذي قد يرضخ له بعض الدول.
بالإجمال يمكن الجزم بأن السلطات المصرية لم تتحرك بالشكل المناسب لاستعادة الأموال المهربة للخارج، ولم يوجد تقدير يحصي تلك الأموال التي نهبت من الشعب المصري على مدار سنوات، ومن الصعوبة استرداد تلك الأموال في ظل عدم وجود رغبة سياسية حقيقية في ذلك.
يذكر في هذا السياق ان البنوك المصرية كانت قد جمدت أرصدة أكثر من 75 شخصية بارزة من قيادات النظام السابق، بعد مخاطبة رسمية من قبل النائب العام. أما الطلب الذي أرسلته السلطات المصرية إلى عدة بلدان حول العالم لتعقب ثروة الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد أثمر عن وضع اليد على 520 مليون دولار في مصارف سويسرا فقط ناهيك عن ملايين الدولارات الاخرى في بنوك مختلفة حول العالم لا يمكن احصاؤها بسبب الغموض الذي يكتنف الحسابات والأرصدة التابعة للرئيس المخلوع وعائلته وشركائه.
يبقى القول ان الامل الاخير في استرداد الاموال سيكون بحسب الخبراء معقودا على تغيير الوضع القضائي الراهن سواء عن طريق النقض أو الاستئناف حتى يتمكن المحامون من المطالبة بعودة أموال المصريين التي نجح نظام مبارك في تهريبها للخارج، مع ضغوط حقيقية تمارس في الشارع للتعبير عن ارادة شعبية حقيقية بضرورة استرجاع ثروات البلاد القومية السليبة.
الحقيقة ان هناك خيبة أمل في أوساط الشعب. هذا أقل ما يمكن قوله في وقت تمر فيه البلاد بصعوبات اقتصادية بينما ثرواتها قابعة في خزائن بنوك ودول اخرى.