الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

فضيلة الشيخ الحسيني يتحدث عن شهر الخيرات والفضائل والانتصارات
ويقول: في رمضان الماضي سقط طاغية ليبيا.. والآن ننتظر النصر على طاغية الشام

تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢



في خطبته ليوم الجمعة بجامع العدلية أمس تحدث فضيلة الشيخ عبدالله الحسيني عن شهر الخيرات.. فضائل وانتصارات.. قال فضيلته:
أيها المسلمون المباركون: ها هي رياح الإيمان قد هبَّت، ومواسم الخير قد أقبلت، وبشائر البركة قد حلّت، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر أصحابه يوماً فقال: (قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تُفتحُ فيه أبواب الجنة، وتُغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم).
نحن نستقبل اليوم ضيفاً كريماً، وزائراً رحيماً، ضيافة هذا الضيف عجيبة، فقد جرت العادة أن الضيف لا يعطي شيئاً، بل المُضيف هو الذي يعطي ويكرم، ونحن مع ضيف كريم هو الذي يُكرم من استضافه وأحسن وفادته، ضيفنا الكريم هو شهر رمضان المبارك، وهذا الوقت من السنة له منزلة عظيمة عند ربنا عز وجل، ولهذا أودع فيه من الخير والبركة والرحمة ما لا يوصف، فإليكم جملة طيبة من فضائل هذا الشهر وهباته:
الفضيلة الأولى: مضاعفة الأجور بلا حصر: فالحسنات في هذا الشهر تضاعف بلا حساب ولا عد، بخلاف غيره من الشهور، فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام، فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافاً كثيرة بغير حصر عدد، فإن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، لهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع الثلاثة في الصوم، فإن فيه صبراً على طاعة الله، وصبراً عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن، وهذا الألم الناشىء من أعمال الطاعات يُثاب عليه صاحبه كما قال الله تعالى في المجاهدين: "ذَلِكَ بِأنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأونَ مَوْطِئا يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ".
فكل عبادة وعمل تعمله، فإنه يضاعف مهما كان في نظرك صغيرا، فلا تحقرن من المعروف شيئاً، وكل جهد وتعب تناله، فلن يضيع عليك سدى، فوالله ما ألذ وأشهى الطاعة في رمضان، وما أحلى التعب والنصب في شهر الرحمة والغفران!
الفضيلة الثانية: العتق من النيران: فمن أعظم ما تميز به رمضان من المنح الربانية والفضائل الإلهية أنه شهر يعتق الله فيه من النار في كل ليلة، حتى إذا كانت آخر ليلة من رمضان أعتق الله فيها مثل الذين أعتقهم في طوال الشهر، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (انه ينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة)، فهذه فرص ذهبية ثمينة بين يديك في كل ليلة من ليالي الشهر، فإذا فاتتك في اليوم الأول، فلك أن تدركها في اليوم الثاني، وهكذا إلى نهاية الشهر، وتصور أن الفرصة تكون أعظم في آخر ليلة، وحذار ثم حذار أن تكون من صنف المحرومين الخاسرين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال: (آمين آمين آمين)، قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر، فقلت: آمين آمين آمين، فقال: (إن جبريل عليه السلام أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان، فلم يغفر له، فدخل النار، فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين).
الفضيلة الثالثة: غفران الذنوب: فمن صام نهار هذا الشهر، وقام ليله بنية وعزيمة، وطلباً لوجه الله وثوابه غفر الله له ذنوبه السابقة، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، واحرص بالنسبة لصلاة التراويح على ألا تفوت على نفسك ثواب قيام ليلة كاملة، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة).
الفضيلة الرابعة: العبادات فيها لها شأن أعظم: فوزن العبادة في هذا الشهر ليس كغيره من الشهور، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي)، فالعمرة تكفر الذنوب، ولها أجر عظيم، لكن ارتفعت مزيتها، وزاد أجرها، وعظم فضلها في شهر رمضان، وكذلك الصوم في رمضان منزلته أعلى من الصوم في غيره، وكذلك قراءة القرآن، والقيام، والاعتكاف، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وسائر الأعمال الصالحة.
الفضيلة الخامسة: الفرح والسرور في الدنيا ويوم النشور: فقد قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، أما الفرحة التي عند الفطور، فلأن النفوس مجبولة على الفرح بما يلائمها من الطعام والشراب والنكاح، فإذا منعت في وقت، ثم أبيح لها في آخر الوقت، فرحت بما أذن لها من المباحات التي تلائم فطرتها، وكذلك مما يبين فرحة المؤمن بفطره أنه ترك شهوته لله بالنهار تقرباً وطاعة إليه، وبادر إلى هذه الشهوات في الليل تقرباً وطاعة إليه، فما تركها إلا بأمر ربه، ولا عاد إليها إلا بأمر ربه، فهو مطيع لله رب العالمين في الحالين.
وأما الفرحة عند لقاء الله: فلما يجد الصائم عند الله من الثواب الجزيل مدخراً، ويكون في أشد الحاجة إليه كما قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرا وَأعْظَمَ أَجْرا)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه غيرهم)، وفي رواية: (إذا دخلوا أُغلق)، وفي رواية: (من دخل منه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً).
الفضيلة السادسة: اجتماع أصناف من العبادات: فالجمع بين الصيام والصدقة والقيام وطيب الكلام من أعظم أسباب دخول الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة غرفاً يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها)، قالوا: لمن هي يا رسول الله ؟ قال: (لمن طيّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام)، وكل هذه الخصال المذكورة تجتالفضيلة السابعة: منزلة الجود بمعناه الشامل: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.
والجود ليس مقتصراً على الجود بالمال، وإن كان هو أظهر أنواع الجود، فقد كان رسول الله لا يسأل عن شيء إلا أعطاه، والله سبحانه جواد كريم لا حد لكرمه وجوده، فهو يعتق من النار كل ليلة جوداً وكرماً وتفضلاً على عباده، وهذا شهر الجود والكرم، والجود يكون بكل أنواع الجود من حسن الخلق، والإنفاق، وبذل الخير، ونشر العلم، والجهاد في سبيله، وقضاء حوائج الناس، وتحمل أثقالهم، وقد اجتمعت كلها في حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم، فحري بك أن تحرص على أن تفوز بكل معاني الجود حتى تنال أعظم الدرجات.
ما أعظم بركة هذا الشهر الفضيل الذي ملئ بالحسنات والبركات والخيرات من أوله إلى آخره! فإياك ثم إياك أن تضيع على نفسك الفرصة، فإن الدنيا أيام، ثم نرتحل منها، والسعيد من خرج منها، وقد ثقل ميزان الحسنات، وتخفف من الآثام والسيئات.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون المباركون: إن رمضان هو شهر عظيم تصفّد فيه الشياطين، فتنتصر فيه النفوس المؤمنة على الأهواء، وتقهر الشهوات، فتتأهل لتحقق أسباب النصر في ميادين النزال الكبيرة على الأعداء، فقد كان رمضان هو شهر الانتصارات الرائعة لأمة الإسلام التي ضربت أروع الأمثلة على صدق معدن المسلمين، وكيف أنهم قد انطلقوا خلال هذا الشهر المبارك إلى العالمية، وحطموا كل الأساطير القديمة والحديثة عن أعداء الأمة، وحطموا معها الأوهام والخرافات، وكسروا حاجز الخوف.
فأول فرقان بين الحق والباطل كان يوم بدر في أول رمضان فُرض على الأمة، وكان نصر الله العظيم في رمضان بفتح مكة المكرمة، حيث أعليت راية التوحيد، وتهاوت أنصاب الشرك، وطهر المسجد الحرام من الرجس، والأمثلة كثيرة جدا.
وفي هذا إيذان جلي بأن شهر رمضان موطن مبارك لتسجيل انتصارات الأمة المشرفة وعزها وعلوها وكرامتها، وهو شهر اندحار الشيطان وقطع دابر حزبه، شاء من شاء، وأبى من أبى.
ففي رمضان الماضي سقط نظام طاغية ليبيا، وها نحن اليوم نتلمس أروع لحظات إرهاصات النصر على طاغية الشام، وكما أن الله قد أهلك خلية الأزمة المجرمة ولم يبلّغهم رمضان، فلن ينصرم هذا الشهر بإذن الله إلا بزوال رأس النظام البعثي الإجرامي وأذنابه.
يا بشار ذُق مرارة الرعب والخوف والقلق والانهيار جزاء بما اقترفته يداك، فساعاتك معدودة، وأنفاسك محدودة، ولن تهلك بحول الله إلا بعد أن تنهزم نفسيا ومعنويا وتفقد من حولك، وما ذلك على الله بعزيز، "هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ".
يا أهل الشام الأبطال: لطالما تضرعتم وقلتم: يا الله ما لنا غيرك يا الله، ولبيك لبيك لبيك يا الله، فاستجاب وانتقم لكم: "إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"، فاشكروه دوماً يزدكم: "وَإِذْ تَأذَّنَ رَبلاكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدَنَّكُمْ"، وانصروه حقا ينصركم: "يَا أَيلاهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أقْدَامَكُمْ".
أيها المسلمون المباركون: انصروا إخوانكم ولاسيما المستضعفين منهم بموقفكم، ودفاعكم، وكلمتكم، ومالكم، ودعوتكم، وقلمكم، ويدكم، ولسانكم، وقلبكم، وهذا أضعف الإيمان.
لنجعل هذا الشهر شهر انتصار على الأحقاد والحسد والكراهية وفساد ذات البين وقطيعة الأرحام والعجز والكسل والغفلة، شهر انتصار على الشيطان ووساوسه وكيد أوليائه، شهر انتصار على الذنوب والمعاصي وتسويف التوبة، شهرًا للانتصار على خذلان المستضعفين وترك المظلومين، عندها سنصل بإذن الله إلى ما وصل إليه الأولون، ونحقق مثل انتصاراتهم المجلجلة وأمجادهم