قضايا و آراء
الرئاسة في مصر في مواجهة التحديات
تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢
لقد بات من المستشعر لدى السياسيين المصرين والعرب ممن هم مُطلعون على الواقع العربي والمصري بعمق بأن مراحل الحراك المصري تُدفع بخطوات شبه مُمنهجة منذ بداية الثورة أو على اقل التقديرات منذ تنحي رأس النظام حتى هذه المرحلة، إذ ان جميع السياسيين صارت تتأكد قناعتهم بأن هناك طرفا باتت تُمثل ظلاله شخص الحاضر الغائب في معادلة المشهد المصري وذاك الظل راح البعض يُشخصونه بالاسم ومن دون ذكر لأنامله وتابعيه في الداخل المصري، كما أن مؤشرات دوره في صياغة معادلة الواقع المصري المستجدة بعد رحيل مبارك أضحت غير خفية وذلك الطرف الذي يُخفي دوره المباشر إلا أن ظلاله وكما تقدم اكبر من أن تُخفى من مشهد المعادلة هي الإدارة الأمريكية، لكن السؤال المفترض طرحه ومن دون تورية أو تكلف من قبل النخب المصرية وذلك لأن المراد تطويعه وتحجيمه هو قلب الأمة التي إذا صح فان حال الأمة مقرون بصحته ألا وهي مصر العزيزة فهي تستحق أن يُشار لواقعها بالملامسة المباشرة وخصوصا إذا حاول احد التآمر عليها واختطافها مجدداً.
إن السؤال المُلح بضرورة طرحه هو أن الإدارة الأمريكية لا يوجد عليها ما يثبت تدخلها المباشر في معادلة الحراك المصري لكن الأمور في مصر من الجلي أنها تسير بشكل يضمن تحقق رؤيتها وما تصبو إليه من تغيير في مصر وبشكل تدريجي ممنهج، فهل يؤشر ذلك على وجود لوبيات من داخل سلطات القرار المصري والعربي تتحرك بالإيحاء والتوجيه الأمريكيين المباشرين لتمرير واقع سير الأمور وبما تبتغيه الإدارة الأمريكية؟ وهنا كلنا يتذكر أزمة الأمريكان الذين تم القبض عليهم بتهمة التمويل وتجنيد الخلايا الشبابية للدفع باستمرار الاضطرابات وعدم الانصياع لأي توجهات وطنية في بادئ الأمر وتحت مسمى المطالب المشروعة تلك المنظمات الأمريكية وأفرادها الذين تم القبض عليهم وحُكمهم تحت مظلة القضاء المصري ثم جاء الرئيس الأمريكي السابق لزيارة مصر على اثر أزمتهم بعدها تم تحريك هذا الملف بشكل متسارع ثم أقدم المجلس العسكري بسلطته المؤقتة على اتخاذ إجراء ترحيلهم من مصر وبحسب ما تمنت الإدارة الأمريكية رغم أن الموقف المبدئي وضرورات الأمن القومي المصري تفترض غير ذلك وخصوصا في مرحلة انتقالية كهذه يشوبها ما يشوبها من اضطرابات الشارع الانفعالية وعدم وضوح مصادر تدخل التوجيه الخارجي، فان الأمر لُف بعُجالة وتم طي صفحته إرضاءً للتوجهات الأمريكية رغم أن كل القوانين سواء القطرية منها أم الدولية لا تسمح للرعايا الزائرين لمصر بممارسة أنشطة منافية لحقوق الإقامة.
وواقع الحال أن المجلس العسكري المصري ومن خلال كل ما دفع به من اجراءات منذ بداية الثورة صار محل تشكيك وريبة شبه مؤكدين من قبل المتابعين وقد باتت منهجية حراكه أكثر وضوحاً مما مضى، كما انه صار من الواضح اليوم أن الوجه الاخر للدفع الأمريكي المرحلي غير المُعلن تجاه مصر هو إلزام الأطراف السياسية بمعادلة اقتسام القرار بين قوى التمثيل الشعبي المستجدة في الحكم والمجلس العسكري، وهذا الأمر إذا تم تثبيته فسوف لن ينحصر بمرحلة فوز الإخوان الحالية بل سيُعتمد كمنهجية لأي مجلس رئاسي قادم وهو ما سيعوق حتماً تطلع الجماهير للتغيير الفعلي وحاجتها إلى استقلال القرار المصري.
إن مؤسسة الرئاسة في مصر ستعيش في المرحلة المقبلة ضغوطاً خارجية لا تُحسد عليها وذلك بُغية قولبة دور مصر وتحجيمها بشكل يضمن عدم جدية مواقفها من قضايا السيادة الخارجية التي هي عقدة الرهان الفعلي أمام أي رئيس لمصر، وفي تقديرنا ان زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية لمصر وإن بدت التصريحات الظاهرة منها داعمة لمطالب الجماهير وذلك من خلال حث العسكر على دعم الانتقال السلمي للسلطة ورعاية العملية الديمقراطية إلا أن باطنها هو تماماً مناقض لذلك، إذ ان هذه الزيارة في تقديرنا جاءت لتلمّس مواقف مرسي الأولية من ملفات الشرق الأوسط والاتفاقيات مع إسرائيل وربما الحصول من الرئاسة المصرية على مواقف مفصلية لدور مصر القادم في هذا الجانب، وفي اعتقادنا أن مصر اليوم ورجال ثورتها وقادتها السياسيين الجدد الذين جاءُوا من بطن قاعدة الجماهير وقد عانوا سياسات بطش النظام هؤلاء يدركون جيداً انه لولا دعم الامبريالية الأمريكية ومطامحها غير المشروعة في السيطرة على مقاليد ومقدرات الشعوب لما استطاعت رئاسة مبارك السابقة أن توصل المصريين ومن دون الخشية من نفرتهم لما وصلوا إليه من حال مترد.
ان أمام الرئيس المصري طريقا شائكا إلى ابعد حدوده فإما أن يتماشى مع توجهات الإدارة الأمريكية ويتخذ جانب الانحياز صوبها ثم يرضخ لمعادلة جعل المجلس العسكري على حظ كبير من جانب إدارة البلاد الفعلية وإما أن ينحاز إلى انفعالات الجماهير ومطالبها المُحقة بجدية التغيير والمصداقية في صنع القرار وعندها ستُفتح عليه أبواب المشاكل والضغوط من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها، وفي حال تبنى الخيار الجماهيري فإننا شخصيا لا نُخفي تخوفنا عليه من التصفية السياسية وخصوصا إذا نجح في توحيد صفوف الجماهير وجعل من شخصه رمزا للمرحلة.
إن هناك في مصر من يحاول تطويع المؤسسة الرئاسية أو دفع البلد لمنزلق تصادم بين مؤسسة الحكم ودوائر التشريع الدستوري وهو ما يُنذر بافتتان داخلي وبروز مرحلة من الهرج والمرج وذلك أمر مدروسة عواقبه ومدى خطورته على حال مصر في هذا الوضع المشبع بالمشاكل الاقتصادية، ومع ذلك سيبقى مرسي ومؤسسته الرئاسية هما من سيحدد الخيار الذي ستُدفع له مصر الجماهير ومن خلال فعلية استقلال القرار المصري أو عدمه، وكرسالة نوجهها لمؤسسة الرئاسة في الحبيبة مصر إذا جاز لنا ذلك فحذار من أن تنجح الإدارة الأمريكية في جركم نحو خيار التعتيم وعدم المصداقية مع الجماهير في المواقف المراد اتخاذها، فالأصل أن أي قرار يخص مصر هو في حد ذاته حق الجماهير الصرف وإنما مؤسسة الرئاسة هي وكيل على ذلك، صحيح أن الكثير من أمور السياسة قد تقتضي المصلحة العامة ألا تُفشى للجماهير إنما ذلك مقرون بضرورة التزام القيادة بالأمانة التامة تجاه تغليب مصلحة الجماهير فوق أي اعتبار وهو ما يقتضي في بعض الحالات اتخاذ مواقف حاسمة أو على اقل تقدير إبراز مواقف محددة تكبح جماح التدخل الخارجي للسيطرة على مقاليد صياغة القرار وخصوصا في هذه المرحلة التمهيدية، فالجماهير اليوم مازالت دماء الثورة تغلي في عروقها وان عملية تفتير جذوة ذلك الحماس الجماهيري هي من أولويات العمل السياسي الخارجي الممنهج تجاه الثورة وحراكها فإذا تماشت مؤسسة الرئاسة مع خيار الإدارة الأمريكية تجاه مصر في هذه المرحلة فان ذلك الخيار سيُدفع بقوة من العطاءات وهو ما سيُعزز بدوره انصياع المؤسسات الرئاسية لأي ضغوط قادمة مما سيدخل مصر حتما في نفق اخر من التبعية والتسليم وتحت غطاء شيء من الإصلاح الداخلي والديمقراطية الشعبية المنقوصة لسلطة الأمة على قرارها الخارجي.
إن أمريكا وبسبب المتغيرات العالمية هي في تقديرنا اليوم أحوج إلى طلب رضا مصر وان بدا منها شيء ينم عن عكس ذلك فإذا حرص حكام مصر الجدد على تمنع مصر الواعي فان ودها سوف يُطلب بالغالي والنفيس وخصوصا في هذه المرحلة الدولية الحرجة التي يبدو واضحاً فيها تخلّق موازين قوى دولية جديدة.