قضايا و آراء
أحوال الأمة في شهر رمضان المبارك
تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢
يهل علينا شهر رمضان الكريم شهر الرحمة والغفران وهو شهر عظيم من انسب مواسم الذكر والدعاء، شهر تتفتح فيه أبواب السماء قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) فمن المؤكد الاستجابة الإلهية لدعوة الصائم بقوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) صدق الله العظيم.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الدعاء هو العبادة) وقال جل جلاله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) صدق الله العظيم.
لم يرد الله سبحانه وتعالى من الصوم مجرد الامتناع عن الاكل والشرب لان ذلك هو الصوم من ناحيته الشكلية أو الصورية، وبعض الناس حين يتكلمون عن مفطرات الصوم إنما يتناولون ما يخدش هذه الناحية الشكلية ولكن الله جل جلاله أراد مع ذلك ناحية مهمة للغاية من الصوم تلك هي امتناع الانسان المسلم عن كل ما يؤذي غيره من سلوكات عدائية وبذلك يكمل الصوم ويتم بمعناه الذي يرضى به الله سبحانه.
والواقع ان الصيام في رمضان له أحكام كثيرة وفوائد جمة فمن الناحية الاجتماعية عندما يجوع الصائم يتذكر حالة الفقراء فتدخل الرحمة في قلبه على المساكين الذين لا يملأون البطون ويتضورون جوعا عندما لا يجدون ما يكفيهم من طعام وشراب فالرحمة في الانسان الصائم تعلمه الألم الذي يحس به الفقير، فالصيام عملية لتربية الرحمة في النفس ومتى تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير دخلت الانسانية في نفوس الاغنياء ويتم التبرع والمساعدة للفقراء. فالصوم يعطي مساحة كبيرة من العطف والاحساس بالاخرين، فمن حكم الصوم ايضا المساواة بين الغني والفقير لأن الصوم فقر اجباري يفرضه ديننا الحنيف ليتساوى الجميع في بواطنهم.. فقر اجباري يراد به اشعار النفس الانسانية بطريقة عملية فالمشاركة الجماعية تكون اقوى ما تكون حين يتساوى الناس في الشعور والاحساس لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد لا حين يتنازعون بالرغبات المتعددة، فالصوم تقوية للإرادة ووسيلة فعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد فيعيش الانسان المسلم مالكا زمام نفسه لا أسير ميوله المادية.
ان الله سبحانه وتعالى جعل للصوم قيما ومبادئ كثيرة منها العفو عند المقدرة والبعد عن ملاحقة الناس بالحقد والكراهية والفوضى وقطع الأرزاق ومحاربتهم في الحظوظ والتشهير والتجريح بهم فمثلا ان هناك أشخاصا من الله عليهم بالعلم والثراء والمركز الاجتماعي وغيره من التألق الاجتماعي الشريف الذي جاء بالجهد والتعب والمشاركة فترى بعض الناس يحاربونهم لأن هذه الفئة الكسول والمنافقة لا تستطيع الوصول إلى ما وصل إليه المجتهد في حياته لأنه أي الشخص الذي يراقب الناس لا يعرف معنى ان الله يوزع الارزاق وجعل الناس منهم الفقراء والاغنياء والاصحاء والمرضى ومنهم الكثير الاولاد ومنهم العقماء ومنهم من اعطاه البنين وحرمه من البنات أو اعطاه البنات وحرمه من البنين ومن لديه مال الدنيا وليس لديه البنون والبنات والصحة، وهكذا الدنيا وحكمة الله في البشر يجب ان نعرفها ونتقبلها تماما في كل الاوقات والاحوال وليس فقط في شهر رمضان، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يعفو ويسامح في جميع في الاوقات والاحوال وهو دائم محب للخير حتى لأعدائه فقد عفا الرسول الكريم عن القوم الذين طردوه واخرجوه من مكة فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لهم (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء).
هكذا الروح السمحة والقلب الكبير الذي لم يعرف الحقد ولا الغل ولا الكراهية وانما اتسع حبه وقلبه للجميع في رمضان وغير رمضان، فمزيد من الاجماع والمحبة وموائد الافطار التي تقام في شهر رمضان في المساجد والمجالس وغيرها طريق للاستكثار بلم الشمل بين الافراد والجماعات.
وليكن هذا الشهر المبارك استلهاما لتذكير المسلمين بأمجادهم وفضل الله عليهم حين انزل القرآن في شهر رمضان فمن واجبنا الديني أولا والواجب الوطني والقومي ثانيا والواجب الإنساني ثالثا أن ننبه من حولنا والآخرين من الديانات الأخرى إلى سماحة الإسلام والمسلمين وتعريفهم بعراقة تاريخنا الإسلامي وروائع تقاليدنا ومحكم التعاليم الروحية في قرآننا العظيم الذي انزل على نبينا الكريم في شهر رمضان الفضيل فهو نبراس يسير بنا على طريق المحبة والتسامح والتعايش السلمي بين شعوب العالم.