الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي

فنانون عالميون رسموا فن التّبُوريدَة

تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢




نظمت جماعة "عين سبيت" في المملكة المغربية ابتداء من يوم 11 إلى 13 مارس 2012 المهرجان الأول للتبوريدة تحت شعار "فن التبوريدة ثقافة وتراث" والمنطقة تبعد 70 كيلومترا شرق مدينة الرباط العاصمة المغربية، وكان للسهل الواسع، وطبيعته الخلابة ما شجع هذا النوع من الفنون، وأبرز علاقة أهلها القديمة به كنوع من انواع اثبات الوجود القبلي.
وحضر المهرجان جمع كبير من متابعي هذا المهرجان، الذي يقام عادة في أغلب المدن المغربية في مثل هذه الأيام من السنة كل عام، وقد تم تصدير هذا المهرجان لدول أوروبية كبلجيكا وفرنسا، التي تقيم فيها جاليات مغربية كبيرة نقلت معها محبتها لفولكلورها وفنونها أينما حلت.
وهذا الفن الأصيل عكسته لوحات ابدعها فنانون مستشرقون كديلاكروا (1863-1798) الذي يعتبر من أهم رواد المدرسة الرومانسية الفرنسية في الرسم، وقد زار المغرب، وأعجب بفن التبوريدة المغربي، ورسم لوحات خلدت هذا الفن الفولكلوري المغربي، وكذلك فعل مواطنه الفنان ايتان دينيه، الذي رسم لوحة مشهورة لحاكم مغربي أسماها "لوحة مولاي عبدالرحمن" وعرضت في صالون باريس اضافة إلى لوحات أخرى رسمت عن فن التبوريدة، للفنان الفرنسي جورج كلارين (1843-1919) الذي زار المغرب عام 1869 ورسم تخطيطات، ولوحات عن حياة وفنون المغاربة في ذلك الوقت، ومن فنونهم التي سحرت الفنانين الفرنسيين فن التبوريدة، وما تركه أيضا فنانان فرنسيان مشهوران عاشا في المغرب وماتا فيها، هما أبل راكوت، وأرمون كولترا من لوحات تخلد فن التبوريدة المغربي.
ورسم رسامون مغاربة كثيرون لوحات كبيرة، ومؤثرة عن فن التبوريدة كحسن الكلاوي، عبدالفتاح الجابري، لطيفة عديل، عبدالرحيم السلطاني، صابا عبدالرحيم، سعيد حجي، وغيرهم، وفن التبوريدة من ألعاب الفروسية، تستعرض فيه مهارات الفرسان، وحنكتهم في قيادة جيادهم، وممارسة الحركات البهلوانية فوق ظهورها، وإظهار التدريب الجيد لخيول تم اختيارها بدقة لتشارك في هذا العرض الفولكلوري، الذي بدأ بممارسته في بوادي المغرب وحواضرها المهمة منذ القرن الخامس عشر، وأتى اسم هذا الفن من كلمة "بارود" التي تستعمل في اطلاقات بنادق طويلة يستعملها المتبارون لإظهار دقة التصويب، ودقة التوقيت لإطلاق بنادق المتبارين في وقت واحد، وهذا الفن تتم ممارسته في أغلب مناطق المغرب، في السهل والجبل والقرى المغربية، وضواحي المدن الكبيرة، ويشارك فيها العرب والأمازيغ.
وتتخلل حركات الفرسان الموحدة تسبيحهم للخالق رب العالمين وتكبيره والثناء على المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، وتزدان ملابسهم المزركشة بالألوان والموشاة بالتطاريز الجميلة، وتنتظم حركات جيادهم المدربة، وصيحاتهم التي يطلقونها لحظة إطلاق النار في نهاية الشوط، ومن عادة الفرسان التسبيح لله وحمده والصلاة على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في كل ذهاب وإياب أمام الجمهور، وكذلك قول الحكم والأمثال الشعبية، وترديد مآثر الأجداد وكرمهم وشجاعتهم، وترديد مواويل وأغنيات تحيي الحياة والشجاعة، والجمال، ومن بين الجمهور الذي يشاهد عروض الفرسان تتعالى زغاريد النساء والتكبير للخالق والصلاة على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعالى الدعاء من كبار السن لأولادهم وخيرة شبابهم، وفي العادة يتم اختيار أفضل الفرسان ليكون "المقدم" بينهم، الذي عادة يرتدي ملابس مختلفة، ويوضع على فرسه توشيات بلون الذهب توضع على زركشة خضراء لتمييزه عن باقي الفرسان، والملابس عادة هي ملابس تقليدية مغربية وتسمى: شاشية جبة برنوس زدار، وتسمى "التبوريدة" في غرب المغرب بأسماء أخرى كـ"ايمناين" في الشرق أو "لقوم" في وسط المغرب، وهذا اللون من الفروسية جزء لا يتجزأ من التراث المغربي، وقد أحبه الصغير والكبير في المغرب، ويقصده الناس من كل فج في المغرب لحضور موسم الفرح والفروسية.
الصيحات التي ترافق اطلاق البنادق في السماء تذكر بالكثير من المواقف البطولية، التي مرت على الشعب المغربي، وهو يقاوم الغزاة الفرنسيين أو الأسبان في مختلف مراحل التاريخ، كما أن رشاقة الجياد وحركتها الانسيابية تذكران بالجهود التي بذلها فرسانها لكي تهيأ لسباق من هذا النوع، وعادة يكون الفرسان الذين تم اختيارهم للمشاركة في المبادرة من خيرة شباب القبيلة، وأكثرهم جاها وغنى بين أفراد قبيلتهم.
ومن اللافت للنظر أن النساء المغربيات دخلن هذا المضمار الاحتفالي مؤخرا وشاركن كفارسات أو كقائدات ضمن الفريق، مما أضفى على الاحتفال بهجة مضافة، لكنه أفقده أيضا أصالته القديمة، فغدا المهرجان سياحيا أكثر مما ينتمي إلى مهرجان فولكلوري قديم يمثل ما تعارف عليه الأجداد من قيم، ومفاهيم حول الحكمة والدقة والجمال وفن الفروسية، وبعث روح الجهاد في نفوس المغاربة، وتذكيرهم بماضيهم القديم، المقاوم للغزاة، ونشر الاسلام في ربوع المغرب، وترصين مفاهيم الرجولة، ومحبة العمل الجماعي، الذي يرفع من شان القبيلة بين القبائل الأخرى، لذلك غدت مواسم "التبوريدة" لا تهم المغاربة فقط بل أخذ السياح الأجانب يحرصون على حضورها لما فيها من متعة النظر، والتمتع بالجديد الذي لم يعرفه اهل الغرب من قبل عن بلاد المغرب.