الجريدة اليومية الأولى في البحرين


بريد القراء

يقولون والعهدة على الراوي

تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢



يقولون: (اللي ما له أول ما له تالي).. حسنا فعل سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله في زيارته الاخيرة لمحافظة المحرق، المحافظة التي لم تطلها يد التغيير ولا التبديل (فرجان لول) إذا دخلتها تشم عبق الماضي بطيب أهلها البسطاء ورقة مشاعرهم، تستشعر من أزقتها الضيقة ومبانيها الطينية القديمة معاني كثيرة، يطل عليك التاريخ ليحكي لك قصي لاجيال من هذه الجزيرة كيف عاشوا، احبوا بل عشقوا هذا الثرى الطاهر كيف تحملوا شظف العيش، كيف كانوا يقضون أوقاتهم في المواسم كشهر رمضان وفي فصل الشتاء وفصل الصيف، كيف كانت رحلاتهم إلى التينه وبن هندي. كيف كان تلاحمهم ومحبتهم لبعضهم، فلكل زمن ذكرياته وقصصه وحكاياته.
فارتبطت القيادة بالمحافظة ارتباطا وثيقا، فمن هذه المنطقة حكم آل خليفة، فمنازلهم ومجالسهم ودواوينهم تشهد بذلك، فقد كانت المحرق العاصمة الاولى، ومقصد الزائرين للبحرين فيها التجار والادباء والمفكرون وأهل البحر والغوص وأهل الطرب والفن والمشايخ وعلماء الدين، ولن يكفي المحرق الاسطر القليلة التي نكتبها في حقها.. فالمحرق تاريخ طويل ممتد الى الاعماق، وزيارة الامير زيارة لمدينة لها تاريخها الطويل وعراقتها وعروبتها وسماحة أهلها، فزيارة سموه للمنطقة لها معناها الخاص، لذا أكدت هذه الزيارة حب القيادة لهذه المنطقة وأهلها، وأهل المحرق يقدرون هذه الزيارة ويبادلون هذه القيادة كل الحب والولاء والعرفان ويكنون لها الاحترام وتربطهم بهم وشائج محبة وقربى، فقد جاءت هذه الزيارة ملبية لرغبات وتعطش أهل المنطقة لمثل هذه الزيارات التي تربط الراعي بالرعية، التي تتعاطى مع أطروحاتهم وحل مشاكلهم.
الآن لاح في الافق بريق الامل وتمت الزيارة الميمونة التي اثرت فينا جميعا، وأثلجت صدورنا حقيقة، فهذه الزيارة يجب ان تستثمر، جعلها الله زيارة خير ومحبة وزيارة ذوي قربى وتغيير للافضل وانقاذ ما يمكن انقاذه، الآن ربما اصبحت الرؤى أوضح ونستبشر كل الخير، فقد عانت المنطقة سنوات هدم واهمال واقصاء، فبعدما كانت تتمتع بحظ وافر من الاهتمام، وبعدما كانت اسواقها حية يرتادها الناس من شتى أقطار العالم، وكانت سواحلها الطبيعية مصدر إلهام لم تطلها يد عبث العابثين، جار عليها الزمان وأصبحت كما مهملا وأصابها التهميش في ذات مقتل، أين برائحها الجميلة ملتقى الاحبة من أهل المنطقة وأحاديثهم وملعب الاطفال؟ وأين بيوتها المتلاصقة التي تدل على عمق ودفء المشاعر والتواصل بين الناس؟ ومثل ما يقال دوام الحال من المحال، فغزت الجاليات الاجنبية وزحف السوق والمحال التجارية وعدم وجود منافذ أو مواقف لسيارات أهاليها زهد فيها أهلها فهجروها دون رجعة.. واثروا السلامة على أنفسهم.
في ظروف كهذه هجرات غير منظمة وزرع أجانب غرباء عن المنطقة غيرت التركيبة السكانية، أصبح الاهالي يخشون على أنفسهم واولادهم وبناتهم، فلا اصبح الاهل أهلهم ولا الجيران جيرانهم، أين ما كان يسمى بفريق الشيوخ الذي كان يزينه شيوخ من آل خليفة الميامين الكرام وفريق البنعلي الذي كان تزينه القبائل العربية وفريق حالة بوماهر، والعمامرة وبن هندي والمعاودة والصاغة والظاعن والجلاهمة؟ كلها أحياء ومناطق عربية أصيلة تتجذر منها جذور القبائل العربية، أهملت ردحا من الزمن ولم تطلها يد التغيير، فكانت الهجرة العشوائية غير المنظمة هي الطريق الاوحد لاهلها، لذا استغل السماسرة وتجار الاعراض الفرصة فباعوا البيوت على أناس ليس لهم علاقة ولا ارتباط بالمحرق فبنوا البنايات الشاهقة وتغير شكل المحرق، ومنهم من حول بعض البيوت لتكون بؤرا للرذيلة وتجارة المخدرات والمسكرات وأصبح البحريني الاصيل الذي يسكن في تلك الاحياء غريبا، وحيدا ويتحين الفرصة للخروج من هذا المستنقع حتى لا يتهم لا هو ولا أهله، بل حتى دور العبادة طالها التغيير فالاذان والقراءة ورواد المسجد تغيرت، فمساجدنا التي كانت تنطلق منها روائح العود والبخور أصبحت سمتها الآن سمات أجنبية وتنبعث منها روائح لم نعهدها فاختلط الامر.
بعد هذه الزيارة، الآن يستطيع من يسكن في تلك الاحياء ان يقول عيدي يا بلادي مجدك عالي، شيء جميل بل رائع جدا وأنت تشهد هذا المنظر الجميل الراعي بالنواب بالرعية في عرس لم تشهده المحرق منذ عهد بعيد، وخصوصا المنطقة التي زارها سموه، شيء لا يصدق، فهل سترجع العتيدة الى سابق عهدها حلة المدائن؟ وهل يعود جاري بوعيسى وبو احمد وبوعلي؟ هل سيلعب ابناؤنا مع أبناء الجيران دون خوف ولا وجل، نرجو من الله العلي القدير ان يطيل في أعمارنا ونرى المحرق كما كانت من قبل وتحت ظل قيادتنا الرشيدة واحة أمن وأمان، القيادة التي لا نشك ولا قيد أنملة ان المحرق تعني لهم الشيء الكبير فمن هنا كما ذكرنا انطلقت القيادة، ومن هنا تأسست الحكومة، ومن هنا عرفوا الناس وعرفوهم، شكرا قيادتنا الرشيدة على هذه اللفتة الكريمة ومزيدا من العطاء والتقدم.
محمد خليفة جاسم