الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة

الحمام والزول عدو السلام

تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢

جعفر عباس



كان الحمام المحمر الذي تناولته في بيت الدبلوماسي الصديق فاروق عبدالرحمن في لندن، أشهى ما أكلته في لندن من طعام طوال أشهر، وقد انتقمت في ذلك اليوم من الحمام لأنني ورفاقي «تهزأنا» عند وصولنا إلى بيت فاروق، فقد كان يقيم في عمارة من عدة طوابق، ومدخلها الرئيسي مغلق، ولا حارس يفتح لك الباب، وبعد حيرة طويلة انتبهنا إلى أن هناك عدة أزرار قرب الباب الرئيسي، ولكن أيهما يخص فاروق، فقلنا نجرب وضغطنا على الزر الأول والثاني والسابع وفي كل مرة يأتينا الرد: معك وينستون تشيرتشل.. من الطارق؟ معك ستيف أوستن.. معك ريتشارد ذا لايون هارت... ويبدو أننا ضغطنا نفس الزر أكثر من مرة لأننا تعرضنا لشتائم من العيار الثقيل، فانسحبنا ولجأنا إلى هاتف عمومي واتصلنا بفاروق: نحن أمام بيتك ولو عزومتك دي وهمية خليك صريح معنا عشان نرجع بيوتنا... فطلب منا ان نقرأ اسمه أمام أحد الأزرار ونضغط عليه ليفتح لنا الباب ثم نصعد إليه في الشقة في الدور الثالث او الخامس، فقلنا له: يفتح الله.. نحن تعرضنا للشتائم بسبب أزراركم تلك والأصول هي ان تستقبل ضيوفك عند الباب، فطلب منا مهلة قصيرة وجاء وفتح لنا الباب بعد ان شرح لنا ان من إجراءات الأمن ان يكون لكل شقة زر متصل بالباب الخارجي فيضغط الزائر على الزر، وما ان يعرف صاحب الشقة من الزائر حتى يضغط بدوره على زر في شقته فينفتح الباب الرئيسي.. وكان ذلك المرحلة الرابعة من صدام الحضارات بعد السلم الكهربائي وقطار الأنفاق والاستحمام في حمامات بلا أبواب
كتبت كثيرا عن السوداني الذي كان يقيم في لندن وكان مثلي يعشق لحم الحمام، وكان يشغل منصبا رفيعا ويقيم في شقة فخمة (ولا بأس في إعادة سرد حكايته)... كانت تصله شحنات متقطعة من الحمام المجمد من السودان ولكن رجال الجمارك كانوا ينظرون إليه بتقزز كلما ذهب إلى المطار لتسلمها وكأنه من أكلة لحوم البشر، ففكر صاحبنا في طريقة تجعله يحصل على ما يحتاج إليه من لحم الحمام بانتظام، فوضع عدة صناديق من الكرتون على بلكونة شقته التي كانت قريبة من وسط لندن التي يحتلها الحمام الذي يتخذ من ميدان ترافلقار قيادة قطرية، وصار ينثر الحبوب حول الصناديق ونجح في استدراج أعداد كبيرة من الحمام، وشيئا فشيئا رفع الحمام التكليف معه وصارت الحمامات الحوامل يتخذن من تلك الصناديق عنابر للولادة.. يضعن البيض.. يفقس البيض.. ويكبر فرخ الحمام وقبل ان تصبح قادرة على الطيران بعيد المدى يهجم عليها صاحبنا ليلا، ويذبحها ويمضي عدة ساعات يقطع ريشها إلى قطع صغيرة.. كان في بداية الأمر يصب الريش في دورة المياه ويدفع به إلى شبكة المجاري ولكنه خشي ان يتسبب الريش في انسداد في أنابيب المجاري الخاصة ببيته فيأتي السباك ويكتشف أن سبب الانسداد ريش الحمام وتبقى فضيحة، وخاصة أن الجيران كانوا ينظرون إليه باحترام زائد باعتبار انه ذو قلب حنون يؤوي الحمام ويطعمه لوجه الله، فصار من ثم يوزع الريش والقوانص في أكياس صغيرة ويخرج ليلقي بها في مكبات القمامة
والله سمعت بهذه الحكاية من «الفاعل» نفسه ولن أذكر اسمه ولكنني سأذكر أنه من جزيرة توتي التي حاولت الحكومات المتعاقبة تهجير أهلها لاستغلالها كمنتجع سياحي ومساكن لتماسيح السوق.. وكل ما على الحكومة الحالية فعله هو إبلاغ حلف النيتو بأن أحد أبناء توتي هدد السلام العالمي بممارسة الإبادة الجماعية بحق الحمام فيقوم الحلف بقصف توتي، وتقوم الحكومة بتمثيل دور الحادب على مصالح «التواتة» وتنقلهم إلى الصحراء النوبية وتحول جزيرتهم إلى فنادق وكافتيريات .



jafabbas19@gmail.com