هوامش
قتل المدنيين جريمة لا تغتفر
تاريخ النشر : السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
من حيث المبدأ لا نؤيد على الإطلاق قتل المدنيين أياً كانت جنسياتهم ومواقف دولهم من قضايانا المختلفة، فأعمال القتل المتعمد للمدنيين يعد عملا إرهابيا وإجراميا ليس له ما يبرره على الإطلاق، هذا ينطبق على عملية قتل السياح "الإسرائيليين" في مدنية بورغاس البلغارية الذين هم من حيث المبدأ، وبغض النظر عن الجرائم التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد المواطنين الفلسطينيين والتي تحولت إلى ما يشبه الوجبات اليومية، فإن هؤلاء السياح ليسوا مسئولين عن تلك الجرائم من الناحية القانونية والإنسانية، فنحن نعرف أن من بين اليهود من له مواقف داعمة ومؤيدة بقوة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بل لا يتوقفون عن تسيير الاحتجاجات ضد جدار العزل العنصري والممارسة الهمجية لحكومة الكيان الصهيوني ضد المواطنين الفلسطينيين.
ليس موضوعنا هو شجب العملية التي تعرض لها السياح "الإسرائيليون" في المدينة البلغارية، ولا تأكيد لموقف مبدئي رافض لأي شكل من أشكال الأعمال الإرهابية الموجهة ضد المدنيين الأبرياء، لكن ما يثير الحنق والاشمئزاز والسخرية أيضا، إنما هي الضجة التي أثارها قادة العدو الصهيوني وحلفاؤهم في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الدول الأوروبية بعد تلك العملية حيث نددوا بكل ما يملكون من عبارات التنديد بهذه العملية مع أنها لا تشكل قطرة واحدة في بحر الجرائم المدونة في سجل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية.
فقتل المدنيين "الإسرائيليين" الذي نددت به الدول الغربية والكيان الصهيوني ليس سوى صورة طبق الأصل للكثير من الجرائم التي تنفذ بحق الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى على أيدي السفاحين الصهاينة وأصدقائهم في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، فأعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا الذين قتلوا بنيران الجيش الصهيوني من الصعب تقديم إحصاء بهم، والعدد المقابل لهؤلاء تجده بين المدنيين في العراق وليبيا وأفغانستان، كل هؤلاء الضحايا لم يستثيروا ضمير دول العالم "الحر".
نحن لا نبرر ولا نقبل بعمليات القتل التي تستهدف المواطنين الأبرياء من أبناء هذه الدول وغيرها، ولكن على الدول التي ترتكب الجرائم بحق المدنيين وفي المقدمة منها الكيان الصهيوني أن تدرك بأن طاقة الإنسان على تحمل الجرائم التي ترتكب بحق أبناء شعبه، هي طاقة محدودة، ثم أن من يتركب جرائم قتل المدنيين الأبرياء عليه أن يتوقع حدوث مثلها من جانب الطرف الآخر أو ممن يؤيده، فهذه الدول التي سارعت إلى إدانة عملية قتل السياح "الإسرائيليين" في بلغاريا، هي نفسها الدول التي تتغاضى أو تتعمد عدم التطرق للجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
فدم الإنسان له قيمة واحدة لا يحددها جنسه أو عرقه أو لونه، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك حرص ورفض لجرائم موجهة ضد مدنيين أبرياء، وفي نفس الوقت تجاهل أو تبرير جرائم مشابهة موجهة أيضا ضد مدنيين آخرين، مثل هذا الموقف يؤكد النظرة والمواقف العنصرية وانتقائية صريحة ليس لها أي علاقة بمبادئ العدالة والإنسانية، فهذه مشكلة الكيان الصهيوني وحلفائه الأمريكان والأوروبيين، فمبادئ حقوق الإنسان دائما تتصدر أولوياتهم واهتماماتهم عندما تتعلق بمواطنيهم، أما حين يكون الأمر خاصا بمواطني دول أخرى معينة على قواميسهم، فإن كل الأعمال الموجهة لهم يجدون لها مبرراتها.
ستبقى مواقف هذه الدول المنادية بحماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان محل شك دائم ولا تمتلك أي صفة من صفات المصداقية، فلا يمكن لأحد أن يقف في مواقف هذه الدول في حين أنه يشاهد على أرض الواقع ممارسات تناقض تماما المواقف المعلنة لهذه الدول، بل الأنكى من ذلك أن الدول المذكورة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من حلفائها الأوروبيين ارتبكوا من الجرائم بحق شعوبنا العربية في العراق وليبيا وفلسطين، ما لا يمكن وصفه أو نسيانه، وبالتالي فلا قيمة لأي موقف ما لم يقرن بترجمة حقيقية على أرض الواقع، وخير واقع موجود هو فلسطين.
فحين يرتكب العدو الصهيوني جريمة بشعة ضد المواطنين الفلسطينيين مثل تلك المجازر التي نفذها قبل عدة سنوات ضد سكان قطاع غزة وأثارت استنكارا واسعا من المنظمات الدولية لبشاعتها، كانت الأصوات الصادرة عن ممثلي الإدارة الأمريكية والعديد من الدول الغربية تقدم التبريرات لهذه الجرائم تحت عنوان "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فهذه العبارة كانت دائما حاضرة لرد الصفة الإجرامية عن الأعمال الهمجية التي يرتكبها العدو الصهيوني.