أين الرقــــابة؟
 تاريخ النشر : الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢
بقلم: نبيل سعيد *
عندما كتبت عن الفساد العارم في بعض شركات التطوير العقاري لم يكن الهدف تسوية أي خلافات شخصية بيني وبين تلك الشركات، أو الجهات الحكومية المكلفة برقابتها وردعها، فلا علاقة لي بأغلبهم، سوى الشكاوى والقضايا التي تردني من المتضررين الذين وقعوا ضحايا لشراك هؤلاء النهابين الفاسدين الذين استغلوا الشروط القانونية والنقاط الفنية التي وضعوها في عقودهم لينهبوا من خلالها عباد الله.
وفوق كل هذا فإن ما ذكرته كان مسنودا بالأدلة والبراهين، نعم، لقد اتصلت بي جهة حكومية واحدة فقط لتستفسر عن اسم الشركة وعن المقصودين والمعنيين في العمود. وفي حين أن هذه المعلومات يجب أن تطلب من الجريدة ورئيس تحريرها بالذات، فإن الجهة المستفسرة لقيت مني، بعد إذن رئيس تحرير الجريدة، كل التعاون، فقد وفرت لها النسخ الاثنتي عشرة لخطابات الشكاوى التي أرسلت إليها مع نسخ إيصال علم الوصول وإيصالات شركة النقل التي أوصلت باليد بعض هذه الخطابات، بجانب تقرير مراقب الحسابات الخارجي بكامل تحفظاته وتقرير المدقق الداخلي المتضمن كامل المخالفات التي كان من المفترض أن تكون بحوزة الجهة المعنية كذلك. ولكن الرد الشفهي الذي جاء منهم كان أكثر منه هجوما عليّ شخصيا بدلا من أن يكون استفسارا، علما بأنني لم أكن أتوقع الشكر منهم، ومع أنهم وعدوا شفهيا بتكوين لجنة للتحقيق، فإننا مازلنا ننتظر الرد الرسمي لما أثرناه.
أما الجهة الحكومية الأخرى المعنية، التي كان الأجدر بها أن تتصل لتستفسر عن الفضائح المذكورة في العمود، فإنه يشاع أن مسئولا كبيرا فيها قال إن الجهات المذكورة في العمود جهات لدينا أوامر ألا نضايقها ناهيك عن أن نفتش عليها أو أن نخضعها للرقابة، ولِمَ لا؟ فإن الجهة المعنية بلغت بها الحنكة والتطور أنها لم تجد حتى الآن مرشحا مناسبا ليشغل منصب الرجل أو المرأة الثانية فيها، كأن البلاد خلت من الرجال والنساء. وقد يكون الكلام الذي نسب إلى المسئول صحيحا وفيه بعض الصدق أو قد يكون أسلوبا جديدا لتحاشي المواجهات مثل مبدأ (إحنا انشوف أشياء انتو ما اتشوفونها)، وعليه فإن «المال السايب يعلم السرقة» وطالما ليس هناك رقيب أو أن الرقيب نائم أو يدعي النوم فالعب يا فأر لأن القط ليس غائبا فحسب بل القط مغيّب.
ولأثبت أن ما ذكرته في العمود ومازلت أردده وسأردده مستقبلا، ما لم تصدر أوامر بإيقافي عن الكتابة، ان هذا الفساد مبني على نمط عمل أو نموذج وضعته شخصيتنا الفاسدة التي علّمت البقية السرقة والفساد، إلى درجة أنها كانت تتحدى بعض معاونيها حول المستفيد الأكبر أو بمعنى آخر السارق الأكبر، علما بأن الاستفادة، وإن جاز القول السرقة، تكون من أموال المستثمرين والمساهمين، والمتضرر الأكبر هو البحرين بسمعتها فالكل يردد أن البحرين ليست، كما كانت، واحة الأمان للاستثمارات، وان سمعتها كمركز مالي ذهبت في مهب الريح والشكر موصول إلى هؤلاء الفاسدين وبالذات شخصيتنا الفاسدة الكبرى ولمن سمح لها بأن تمارس هذا الفساد من دون عقاب ولمن «يشوفون إلى ما إنشوفه».
ومواصلة لحديثنا عن الفساد وأربابه في هذا القطاع الحساس بالذات، فلنلق نظرة اليوم على شركة للتطوير العقاري أنشئت بغرض تطوير منطقة بأكملها، حيث تم تقسيم أرض المشروع إلى أجزاء لمساحتها المترامية ولم يطور منها إلا ما كانت فيه فائدة لشخصيتنا الفاسدة ولزمرتها وأقربائها والأدلة على فعلتها كثيرة وليقرأ المعنيون لعل هذا العمود يفتح عيونهم إن شاءوا أن يروا الحق.
فعند بدء المشروع أشار الاستشاري المعين إلى أن المشروع محدد له كمصاريف مبدئية مبلغ خمسة عشر مليون دينار بحريني بزيادة أو نقصان لا تتعدى العشرة بالمائة ولكن عندما رست المناقصة كانت الزيادة سبعة وستين في المائة تقريبا حيث دُفع مبلغ خمسة وعشرون مليون دينار، دُفعت للمقاول كمصاريف مبدئية بدون أي تشاور أو أي طلب للتخفيض وأترك للقارئ الكريم استنتاج السبب.
أما حينما «نشب» خلاف حول تطوير جزء كبير من المشروع كان من المفروض أن يطور من قبل أحد المطورين الخارجيين فقد توصلت الأطراف إلى حل الموضوع وديا وتم دفع مبلغ مليونين ونصف المليون دينار كنتيجة للحل السلمي ولكن هذا المبلغ لم يدفع للشركة، وبالذات في الوقت الذي كانت الشركة تعاني فيه نقصا شديدا في السيولة فالفاسدون رأوا أنهم أولى بها والجشع لا حدود له وعليه فُتح حساب مصرفي مؤقت بدون علم القائمين على الشركة المطورة أو مديريها ليودع فيه المبلغ وليُقسَّم على من حضر القسمة وليُغلق الحساب من بعد ذلك. وكل هذا أمام أعيُنكِ يا أيتها الجهة الرقابية بل من تحت أنفك والظاهر اننا هذه المرة «شفنا شيء إنتي ما شفتيه».
ومن الألاعيب التي لعبتها شخصيتنا الفاسدة أنها حصلت للشركة التي نتحدث عنها هنا على قرض من المصرف الذي كانت تديره بلغ مائة وتسعة وثلاثين مليون دولار وحيث إن الشركة ولدواعي الفساد العارم الخارج عن السيطرة مقرونا بسوء الإدارة قررت لعدم قدرتها على الوفاء بالديون المترتبة عليها، أن تحول إلى المصرف أصلا من دفاترها بلغ سعره وباتفاق مسبق سبعين مليون دولار بالإضافة إلى قطعتي أرض كاستيفاء للدين بالكامل الذي كان يثقل كاهلها. وبالفعل تم ذلك وبعدها بفترة خمسة وأربعين يوما تقريبا حوِّل الأصل الذي استحوذ عليه المصرف الذي تديره شخصيتنا إلى حساب شخصيتنا الفاسدة الشخصي في مقابل أسهم كانت تمتلكها الشخصية الفاسدة في المصرف التجاري الذي فتح الحساب المؤقت، حيث بلغ سعرها بحسب ادعائها سبعة عشر مليون دولار على أن يرد لها المصرف (الخردة) التي بلغت ثلاثة ملايين دولار فقط لتكون بهذا قد استحوذت على الأصل بمبلغ أربعة عشر مليون دولار في حين أنها أرغمت المصرف على أن تستحوذ عليه بسعر سبعين مليون دولار أي بفارق ستة وخمسين مليون دولار فقط لا غير.
المضحك في الموضوع أنه وإن ادعت الجهات المعنية، كما فعلت حين كتبت الموضوعات السابقة، أنه ليست هناك أي شكاوى من أي جهة على تصرفات شخصيتنا الفاسدة فكأن شيئا لم يكن ضاربين بذلك كل القوانين والأنظمة عرض الحائط ولكن ولإلقاء بعض الضوء على الموضوع ولنبين مدى فداحة تصرفات شخصيتنا التي مازالت تدعي أنها فوق القانون «ليس إلا»، لذا فإنها تتصرف بهذا الاستهتار فقد حوّلت الأصل الذي هو مشروع سياحي وترفيهي إلى شركة مملوكة لها ونشاطها تعليمي وتربوي فنعم التربية والتعليم فكما قلت ان شخصيتنا علمت الجميع الفساد، وهل هناك دليل أكبر من هذا؟ فكيف بمشروع سياحي وترفيهي أن يكون مملوكا لمؤسسة تعليميةوهذه بعض تصرفات شخصيتنا الفاسدة ولم أتطرق، لضيق المكان، إلى القرض الذي حصلت عليه من الشركة البالغ تسعة وستين مليون دينار والذي تم إدراجه تحت بند الديون المعدومة وبالتالي تم شطب الدين كأنه لم يكن، أو الأصل السياحي للآخر الذي تمتلك شخصيتنا، بفعل التفويضات التي أصدرتها كونها ممثلة للمساهمين، قرارا من مجلس الإدارة ليحول باسمها، أو الدفان الذي نتج عن بناء المشروع والذي كانت قيمته مليوني دينار بحريني والذي اختفى بدون علم أحد، علما بأنني سأطرح سؤالا بسيطا هنا: هل يعلم القارئ الكريم عدد سيارات النقل (اللوري) التي سيحتاج إليها من سيستولي على دفانٍ قيمته مليونا دينار؟
كل هذا والجهات الحكومية المعنية مازالت لا ترى أن ثمة أمرا غير طبيعي يستدعي التحقيق أو الرقابة أو حتى المساءلة.
إنه من الواضح أن النظام الرقابي بأكمله بحاجة إلى الإصلاح والتجديد والصيانة الدورية، فقد بدأت آثار هذا الفساد تؤثر في سمعتنا وبجدية، فقد خاطبني شخص يبلغ من العمر الثانية والستين عاما قال: إنه استثمر في المشروع ما يقارب السبعمائة ألف دينار وإن موعد التسليم الذي حدد له مضى عليه ثلاث سنوات، يبقى أن نعرف أن الشخص بريطاني الجنسية عمل في البحرين قرابة الأربعة والثلاثين عاما أي أكثر من نصف عمره والآن قرر أن يتقاعد في البحرين لحبه لهذه الأرض وبخلاف الفسدة قرر أن يستثمر مدخراته فيها لا أن يرسل ما ادخره إلى الخارج كما يفعلون ولكن النتيجة أنهم يماطلونه في أمواله وها هو ينتظر الفرج. ولا يسعنا هنا إلا أن نقول: «اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا».
محام ومستشار قانوني *
.