الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٩ - الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٣ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء

المستبدون.. عندما يكونون وسائل إيضاح!





اعتاد بعض الحكام وبالأخص الطغاة منهم أن يجعلوا من شعوبهم وسائل إيضاح لغيرهم يروعون بهم الآمنين، ويروضون بهم المتمردين، وما درى هؤلاء الحكام أنهم كما ظنوا أنهم قادرون على شعوبهم، فإن الله تعالى قادر عليهم، وإذا كانوا هم ملوكا وحكاما على شعوبهم بإرادة هذه الشعوب أو غصبا عنها، فإن الله تعالى ملك الملك والملكوت، وأنه سبحانه قهّار للجبابرة، ومذل للطغاة، ولو علم هؤلاء الحكام أن الله تعالى الذي آتاهم الملك قادر سبحانه على أن ينزعه منهم ولن تستطيع قوى البشر وإن اجتمعت أن تبقيه في أيديهم ولو استعانوا بمردة الجن، لكان الأحرى بهم أن يضع كل حاكم أو رئيس هذه الآية الجليلة على رؤوسهم وهم جالسون على مقاعد الحكم أو الرئاسة.

هذه الآية العظيمة التي تكشف حقيقة السلطة، ومن أين تأتي، ومن ينزعها، يقول سبحانه وتعالى: «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير» (سورة آل عمران/٢٦).

هذه الآية الجليلة يجب أن تكتب بحروف من نور، وتعلق على رؤوس الحكام والملوك والرؤساء حتى لا يغيب عنهم أن ما هم فيه من ملك وسلطان وجاه ليس إرثا ورثوه عن آبائهم وأجدادهم إنما هو من عند الله تعالى، وأنه سبحانه هو واهب الحكم والملك والسلطان، وأنه جل جلاله قادر على أن ينزعه منهم متى شاء سبحانه، وكما أن النعمة تدوم بالشكر وتزول بالكفر، فإن نعمة الملك هي كذلك تدوم عند صاحبها بالشكر قولا وعملا، وتزول إذا كفرها صاحبها، فالعدل حارس للسلطان، وسبب من أسباب بقائه ودوامه وبركته، فإذا ظن الحاكم أو الملك أو الرئيس أن ما أوتيه من سلطان وجاه هو حق له لا ينازعه فيه أحد، فقد أذن لعقاب الله تعالى أن ينزل به، وأن يحول هذا السلطان عنه إلى غيره، ويتحقق فيه قول الحق تبارك وتعالى: «... يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء...» (آل عمران/٢٦).

نعم، إن هذه الآية سيف مُصلت على رقاب الحكام والسلاطين، فإن عدلوا في رعيتهم وأحسنوا إليهم كان السيف في صالحهم، وحاميا لملكهم، ويرد عدوان المعتدين عليهم، ويحفظ عليهم ملكهم، ويديم السلطان في أيديهم، وإن تجبروا وطغوا وساموا شعوبهم الهوان، فإن هذا السيف سوف يكون عليهم لا لهم، وسوف يكون قوة في يد شعوبهم يطيحون بهم متى شاءوا، وينقلونهم من عز الملك والسلطان إلى ذل السجن والهوان.

ومنذ أن قال الله تعالى عن فرعون: «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون» (سورة يونس/٩٢) منذ أن قال الله تعالى عن فرعون ذلك والملوك والسلاطين والرؤساء يتحقق فيهم تباعا ما تحقق في فرعون، وها هي الأمة الإسلامية تعيش عصورا مشابهة لعصر فرعون كأن الفرعونية تحولت إلى نظرية سياسية يتبناها كثير من الحكام والملوك والرؤساء من الذين أسرفوا على أنفسهم ونسوا أنهم إلى زوال صائرون، وأنه ما كان للملك والسلطان أن يصل إليهم لو دام لغيرهم، وأن استغناءهم عن شعوبهم دفعهم إلى الطغيان وتجاوز الحد في الإساءة إلى شعوبهم، ولقد صدق فيهم قوله تعالى: «كلا إن الإنسان ليطغى(٦) أن رآه استغنى(٧) إن إلى ربك الرجعى(٨)» (سورة العلق).

لقد نسي هؤلاء الجبابرة الطغاة: «إن إلى ربك الرجعى» ولم يتذكروا إلا ما هم فيه من قوة وجاه وسلطان، وظنوا - ظن السوء - أنهم خالدون، وأن ملكهم باقٍ لا يزول، ونقول لهم: لو دام الملك لغيركم ما وصل إليكم، ولو كان الخلد جائزا وحقا لغيركم ما ماتوا وما قبروا، ولكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أولى بالخلد من غيره، يقول سبحانه وتعالى: «وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون» (سورة الأنبياء/٣٤).

إنه ظن السوء الذي هم فيه سادرون، وعن حقائق وجودهم مغيبون، وعن قوة شعوبهم غافلون.

ونقول لهؤلاء: إن من لم يدرك فرعون، ولم يشهد موته، ونجاة بدنه ليكون عبرة لغيره من الطغاة المتجبرين، فإنه لا شك عاصر ملوك هذا الزمان وكيف صاروا هم أيضا وسائل إيضاح لغيرهم، ويا ليت اللاحق يتعظ بالسابق، ولكن شهوة السلطان وخمرتها أدارتا رؤوسهم فلا يعون ما يقع حولهم، فتتكرر منهم الأخطاء، بل قل الخطايا.

ومن أراد امثلة معاصرة، فها هو الرئيس الليبي (السابق) معمر القذافي وقد نجاه الله تعالى ببدنه ليكون لغيره آية، وها هو الرئيس المصري (السابق) حسني مبارك يأتون به نائما على سرير المرض والعجز بعد أن كان ملء السمع والبصر، وكان قويا جبّارا.

ولن يتوقف موكب الطغاة المستبدين، وها هو الرئيس السوري بشّار الأسد يتهيأ لينضم إلى من سبقه من الرؤساء المعزولين، المهانين، الأذلة، وسوف ينال بشّار ما يستحق من عذاب الدنيا قبل الآخرة، وفي الآخرة سوف ينضم إلى زعيم الطغاة والمتجبرين بلا منازع وهو فرعون الذي لم يكتف بالتكبر على الخلق، بل طاول الخالق في ملكه.

أيها الطغاة المستبدون المسرفون على أنفسهم، ألم تقرأوا قول الحق تبارك وتعالى: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد(٦) إرم ذات العماد(٧) التي لم يخلق مثلها في البلاد(٨) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد(٩) وفرعون ذي الأوتاد(١٠) الذين طغوا في البلاد(١١) فأكثروا فيها الفساد(١٢) فصب عليهم ربهم سوط عذاب(١٣) إن ربك لبالمرصاد(١٤)» (سورة الفجر).

لو جمع الحكام والملوك والرؤساء بين هذه الآيات الجليلات، وبين آية «قل اللهم مالك الملك...» في سورة آل عمران، ووضعوها نصب أعينهم، وقرأوها وهم في كامل وعيهم، وتدبروا معانيها ودلالاتها وعملوا بمقتضاها، واستيقنوا أن هذا القرآن هو كلام الله تعالى «الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه...» وأنه محفوظ بحفظ الله تعالى له من أي تحريف أو تزوير بالزيادة أو النقصان، وأنه كلام حق واجب النفاذ، ومؤكد الحدوث، وأن هذا هو وعيد الله المنتقم الجبّار لمن عصاه من الحكام والسلاطين والزعماء، فخانوا الأمانة، وطغوا وتجبروا، وأحالوا حياة شعوبهم إلى جحيم لا يطاق، ألم يقل الحق تبارك وتعالى، وهو يقسم بما شاء سبحانه ان عذابه واقع لا محالة؟ يقول سبحانه: «والطور(١) وكتاب مسطور(٢) في رق منشور(٣) والبيت المعمور(٤) والسقف المرفوع(٥) والبحر المسجور(٦) إن عذاب ربك لواقع(٧) ليس له دافع(٨)» سورة الطور.

أيها الحكام، والرؤساء، هل تؤمنون بأن هذا القرآن هو وحي الله تعالى، انزله على خاتم رسله (صلى الله عليه وسلم) ؟

وهل تؤمنون بأن الله تعالى قدير على كل شيء؟

وهل تؤمنون بأن مآل الناس جميعهم حكاما ومحكومين إلى الله تعالى؟

وهل تؤمنون بأنه تعالى هو ملك الملوك والملكوت، وأنه هو القاهر فوق عباده، وهو سبحانه القهّار، لا راد لمشيئته، ولا معقب لحكمه،وأنه سبحانه أرسل الرسل (صلى الله عليهم وسلم) مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتب وبيّن فيها سبل السلام، ودل الناس جميعهم إلى صراطه المستقيم؟

إذا كنتم تؤمنون بكل هذا، فلماذا تتجبرون؟

ولماذا تطغون؟

ولماذا تنسون أنكم ميتون، وأنكم بين يدي ملك الملوك واقفون، ولصحائف أعمالكم قارئون، وانتم إما إلى جنة عرضها السماوات والأرض فيها خالدون، وإما إلى نار جهنم داخلون، وفيها خالدون؟

وسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، ويغير ولا يتغير، وهو سبحانه وحده الباقي والكل إلى زوال، وصدق الله العظيم: «ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون» (القصص/٨٨).

وسبحان الله انظر كيف ختم الحق تبارك وتعالى الاية الجليلة بقوله: «...له الحكم وإليه ترجعون».

فهو سبحانه هو الباقي وحده وكل شيء هالك وإلى زوال، وهو وحده سبحانه الذي له الحكم من دون باقي خلقه.

أيها الحكام، أيها الرؤساء، كونوا وسائل إيضاح في الخير لا في الشر، وفي العدل لا في الجور أو الظلم، تفوزوا بنعيم الدنيا والآخرة.. اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد.



moc.liamg@halafniblaa

halafniblaa@













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة