رسائل
بعد المجازر المروعة.. هل يقدم عنان اعتذارا آخر للسوريين؟
تاريخ النشر : الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢
بيروت ـ من: أورينت برس
اذا كانت إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما على اقتناع تام بأن البقاء على الهامش حيال الازمة المعقدة في سوريا، وتكليف أطراف أخرى بتوفير القوة إلى المعارضة السورية بدلا من دعمها مباشرة، هي مقاربة آمنة أكثر من الالتزام التام بدعم المعارضة، فيبدو جليا أن عليها أن تشرح موقفها هذا بكل وضوح بالنظر إلى حمام الدم المستمر في سوريا، مقابل تبجح واشنطن على الدوام بأنها «الشرطي الدولي» الساهر على الحفاظ على الديمقراطية وحماية حقوق الانسان.
ولعل أكثر ما يحرج الامريكيين في الفترة الراهنة هو المواقف المتضاربة التي اصدرها ممثل الامم المتحدة ومبعوثها إلى سوريا كوفي عنان وفشله المستمر في تطبيق مبادرته على الارض وهو ما افقده مصداقيته بنظر الكثيرين في الداخل السوري والخارج.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
منذ 13 عاما، وجه أمين عام الأمم المتحدة شخصيا تقريرا إلى الجمعية العامة بشأن فشل المجتمع الدولي في منع مجزرة البوسنيين في سربرنيتشا، وقد اعتبر ما حدث حينها «أمرا مرعبا لا مثيل له في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية». انتقد ذلك التقرير اللاذع الدول الأعضاء بسبب افتقارها إلى الإرادة السياسية وسلوك الأمانة العامة للأمم المتحدة. كان ذلك الموقف لافتا لأن الأمين العام كان المسؤول الذي كلفته الأمم المتحدة بعمليات حفظ السلام في تلك الفترة وخلال المجازر في رواندا قبل عام ذلك الرجل كان كوفي عنان الذي يبدو أبعد ما يكون اليوم عما كان عليه منذ 13 عاما لناحية المواقف واتخاذ القرارات.
مأساة عنان
بعد خمس سنوات على أحداث سربرنيتشا، أعلن عنان: «ستطارد مأساة سربرنيتشا تاريخ الأمم المتحدة إلى الأبد»، مشيرا إلى فداحة القتل والعنف.
ثم تحدث عنان في رواندا في الذكرى الخامسة لتلك الإبادة، فقال بكل أسى: «في أعظم لحظات الحاجة، خذل العالم شعب رواندا في زمن الشر حينها، لم يتمكن المجتمع الدولي والأمم المتحدة من حشد الإرادة السياسية لمواجهة الوضع». بعد خمس سنوات، اعترف عنان قائلا: «كان يمكن أن أبذل المزيد لدق ناقوس الخطر وحشد الدعم اللازم».. اي انه أقر بتقصيره في هذا الإطار من دون ان يخشى تعرضه لسياط اللوم وللاتهامات بالتخاذل وعدم بذل المجهود الكافي لضمان حقوق المستضعفين.
اشادة ام انتقاد؟
لا سبب يدعو إلى التشكيك في مصداقية عنان، فلا شك أن استعداده لانتقاد أداء الأمم المتحدة وأدائه الخاص في سربرنيتشا هو أمر يستحق الإشادة لأن قلة من المسؤولين هم الذين يجرؤون على انتقاد مواقف سابقة لهم او لمنظماتهم، لكن ها هو الأمين العام السابق يصبح محور فشل جديدا بإمضاء المجتمع الدولي الذي لا يتحرك إزاء مجزرة وحشية بحق ضحايا مستضعفين ويبدو انه لا يقوم بما يكفي لحشد الدعم الكافي للسوريين الذين يتعرضون وعائلاتهم لشتى انواع العنف والدموية. فهل سيجبر عنان خلال بضع سنوات على الاعتذار عن فشل جديد متعلق بسوريا هذه المرة؟ وهل يكفي مجرد الاعتذار ام ابداء الندم لحمل السوريين الابرياء على الصفح عنه بينما كان بإمكانه ان يساعدهم إلى حد اكبر بكثير مما فعل ويفعل؟
في الواقع، هناك من يقول إنه يمكن الإشادة بعنان على الأقل لأنه يحاول التوصل إلى اتفاق مع «الثعلب السياسي» المتمثل بشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي عن السلطة، لكن لم تظهر روسيا أي جدية في إسقاط الأسد وفشل عنان مرارا وتكرارا في حمل موسكو على تبني مواقف صارمة حيال نظام الاسد الذي يمعن في قتل مواطنيه. وقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن الاتفاق الأخير في جنيف منح عنان «الأدوات التي يحتاج إليها»، بينما تحدث نظيرها الروسي أمام المراسلين، وأكد عدم وجود أي بند في ذلك الاتفاق يطالب برحيل الأسد.
درس الماضي
قال عنان في عام 1999: «الدرس الجوهري الذي يمكن استخلاصه من أحداث سربرنيتشا هو ضرورة التصدي بشكل حاسم لأي محاولة متعمدة ومنهجية لترهيب شعب بأكمله أو تهجيره أو قتله عبر جميع الوسائل الضرورية ومن خلال توفير الإرادة السياسية لتطبيق سياسة فاعلة حتى انتهائها بشكل منطقي». تتحمل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مسؤولية فشل حشد تلك الإرادة السياسية. لكن أدت الأمانة العامة للأمم المتحدة وبعثتها الميدانية إلى تأخير أي تحرك جدي عبر التمسك بوهم «التفاوض على تسوية مع نظام فاسد وقاتل». استنتج عنان أن «تلك المفاوضات أرست بعض الهدوء في مراحل مختلفة من الحرب».
في الأسبوع الماضي، حث عنان جميع الفرقاء على تجنب تصعيد البعد العسكري للصراع في سوريا، لكن يتجاهل هذا الموقف درسا محوريا يمكن استخلاصه من تقرير عنان عن سربرنيتشا، بمعنى أن المجتمع الدولي كان يجب أن يواجه منفذي أعمال العنف عبر التهديد الفاعل باستعمال القوة. اليوم، نحن نشهد عددا من نقاط الضعف نفسها التي وردت في ذلك التقرير: «ازدواجية المواقف داخل الأمم المتحدة فيما يخص دور القوة في إرساء السلام»، و«ايديولوجيا مؤسساتية مبنية على الموضوعية حتى عند مواجهة محاولات ارتكاب إبادة جماعية»، و«جهود حثيثة للحفاظ على السلام حتى إذا كان السلام خيارا مستحيلا». يبدو أن المفاوضات توفر مبررا للجمود وتمنح نظام الأسد وقتا إضافيا من أجل متابعة أعمال القتل.
روسيا والولايات المتحدة
أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قال اخيرا: «لن يتابع كوفي عنان توفير الغطاء للآخرين إلى الأبد، لا شك أن استقالته ستسمح للعالم برؤية ما تقوم به روسيا وما لا تقوم به الولايات المتحدة، ما يجعل البلدين متورطين في قتل شعب بأكمله، ولكنه يدرك أيضا أن الاستقالة هي أشبه بمسدس فيه رصاصة واحدة».
يجب أن يطلق عنان تلك الرصاصة وألا يمنح بعد الآن الأعذار للولايات المتحدة و«أصدقاء سوريا» الآخرين لتبرير جمودهم، لكن بغض النظر عن قراره في هذا المجال، لا يمكن أن يلوم الأمريكيون وغيرهم عنان على فشلهم. لقد فات الأوان منذ فترة طويلة على مواجهة الخيارات السياسية الحقيقية.
لا أحد يؤيد تنفيذ تدخل عسكري على طريقة أفغانستان أو العراق. لكن يجب أن تشرح إدارة أوباما السبب الذي يمنع واشنطن من لعب دور مكشوف وقوي لتنظيم وتسليح المعارضة السورية والتعاون مع تركيا لإنشاء تحالف من الدول بهدف توفير ملاجئ آمنة على طول الحدود السورية، حيث تستطيع المعارضة إعادة تنظيم نفسها. وهناك من يرى أنه يجب أن تفكر واشنطن أيضا في الظروف التي تجعل من خيار التدخل على طريقة ليبيا أمرا ممكنا أو محبذا.
ادعاء امريكي
إذا كانت إدارة أوباما مقتنعة بأن البقاء على الهامش وتكليف أطراف أخرى بتوفير القوة إلى المعارضة السورية هما مقاربة آمنة أكثر من الالتزام التام، اذًا يجب أن تتوقف الإدارة عن الاختباء وراء الادعاء القائل إن التفاوض مع القتلة في دمشق يمكن أن يؤدي إلى حل فعلي بدل إطالة مدة المعاناة السورية ومنح النظام القائم الفرصة تلو الاخرى للاستمرار في عمليات القتل بينما المجتمع الدولي يقف موقف المتفرج غير القادر على توفير الغطاء الآمن للشعب السوري. كلما طالت مدة الصراع، كانت التداعيات أسوأ. في هذه الحالة، ستنهار سوريا بالكامل، وسترتفع حصيلة القتلى، وستزداد الحسابات التي يجب تصفيتها، وسيتعزز نفوذ المتطرفين الذين أصبحوا السبب الذي يبرر الجمود الراهن.