مقالات
هذا هو الإسلام
الإنسان ونهاية البداية
تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
كتبنا فيما سبق عن الإنسان وبداية النهاية، وذلك في سورة «المؤمنون» التي تحدثت عن خلق الإنسان الأول من الطين، ثم عن خلقه الثاني من التقاء الذكر والأنثى في علاقة شرعية، ثم سارت الآيات مع الإنسان نطفة، فعلقة، فمضغة، فعظاما، ثم اكتست هذه العظام لحما حتى صار الإنسان خلقا آخر، تكاملت فيه هيئته، ونضجت فيه مداركه وأحاسيسه، وكانت هذه بداية النهاية للإنسان الذي كتب عليه الموت، بعد إقامة قصيرة في هذه الحياة المليئة بالابتلاءات والفتن، وصراع مع ذاته مرة ومع غيره مرات ومرات، ثم تأتي النهاية المقدرة من الله تعالى لهذا الإنسان الذي عانى الكثير في سبيل الوصول إلى الغاية التي يريدها هو، أو يريدها غيره له.
بعد حديث السورة المباركة؛ سورة «المؤمنون» عن بداية خلق الإنسان وما يكتنف هذه البداية من مرغبات ومنغصات، يأتي حديث السورة عن نهاية البداية بعد حديثها عن بداية النهاية.
الموت هو آخر فصل في حياة الإنسان في هذه الدنيا، وهو قدر لا فكاك منه، ويقين لا ريب فيه، كتبه الله تعالى على ابن آدم ليختم به حياته الدنيا، وليبدأ به البعث والحساب والجزاء، ثم إما إلى جنة وإما إلى نار.
تقول السورة، عن نهاية البداية: «ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون (16)» المؤمنون.
بعد هذه الحياة - سواء كانت طويلة أم قصيرة، وسواء اكتنفها القليل أم الكثير من المرغبات أو المنغصات- فان لها نهاية تنتهي عندها، وذلك هو مغادرة هذا الإنسان إلى العالم الآخر الذي يبدو في نظره الكليل بعيدا، ولكنه قريب جدا.
وبداية الحديث عن نهاية البداية جاء بحرف (ثم) ورغم أن هذا الحرف يفيد التراخي، فان هذا التراخي ليس ببعيد مهما طال، فالإنسان حين يأتيه الموت كأنه لم يعش في هذه الدنيا إلا سويعات أو لحظات قليلة.
والموت ليس عدما مطلقا، بل جاء التعبير عنه في آيات بقوله تعالى:
«كل نفس ذائقة الموت» لأن هناك حياة أخرى بعد الموت، وهي إما حياة خالدة في النعيم، وإما حياة خالدة في الجحيم.
وكما ان الموت حق، وأنه يقين ثابت لا يرقى إليه الشك ولا تحوم حوله الريب، فكذلك البعث والنشور، والحساب والجزاء.
إن هاتين الآيتين من سورة «المؤمنون» تتحدثان عن نهاية البداية أي نهاية الدنيا التي جعلها الله تعالى دار ابتلاء وجعل الآخرة دار الجزاء، وحين تسدل الستارة على نهاية البداية تبدأ أحداث الحياة الخالدة التي هي نعيم خالد لأهل الطاعات، وجحيم مقيم لأهل المعاصي، وما أحدثه الإنسان في حياته الدنيا من خير أو شر، ذلك هو العمل الذي سوف يجازى عليه إما خيرا وإما شرا، وها هي سورة الزلزلة تحسم الخلاف حول ذلك اليوم العظيم بقولها: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (الآيتان 7،8).
فأعمال العباد في الدنيا مقدرة قليلة كانت أو كثيرة، ومن يزرع الخير يحصده خيرا ومن يزرع الشر يحصده شرا، وكل إنسان ألزمه الله تعالى طائره في عنقه، وكتابه بين يديه، فمن أوتي كتابه بيمينه فالجنة مثواه، ومن أوتي كتابه وراء ظهره فالنار مصيره.