رسائل
الفن مؤرخ لثورة يوليو.. بالقلم والكاميرا واللحن
تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
تمر الذكرى الستون لثورة الثالث والعشرين يوليو 1952، التي بدأت من خلالها مرحلة جديدة وفاصلة انتظرها الشعب طويلا، حيث منحت الثورة المصريين والعرب الكثير مما كانوا يتمنونه، وأصبح الكل في حق الحياة سواء.. وكان للفن دور كبير في تأريخ ثورة يوليو، وكذلك كان للثورة تأثيرها الكبير في الفن والإبداع، فلم تأت الثورة لتقمع الفكر وتحجر على الرأي وتحاصر الإبداع، وإنما واكبها ازدهار كبير في الآداب والفنون والثقافة، وخرجت للنور الكثير من الأعمال التي تركت وراءها علامة في تاريخ السينما وكذلك الحال بالنسبة للمسرح والدراما، فقد فتحت ثورة يوليو ذراعيها للفن والفنانين وظهر من يسمون «مطربي الثورة» وكذلك «فناني الثورة»، حيث كان للمطربين والفنانين دور كبير في ثورة يوليو سواء من خلال مواقفهم الإيجابية في التعامل معها أو في أعمالهم التي قدموها لأجل الثورة.
مطربو الثورة
وكان من أشهر مطربي ثورة يوليو «عبدالحليم حافظ» الذي استطاع من خلال أغنياته أن يؤرخ للثورة منذ بدايتها مرورا بإنجازاتها والأحداث التي مرت بها، حتى الإنجازات والخطوات الإصلاحية التي قام بها الرئيس جمال عبدالناصر، ومن أغاني «عبدالحليم» بالأحضان، بستان الاشتراكية، المسئولية، حكاية شعب، ثورتنا المصرية ويا أهلا بالمعارك وغيرها من الأغاني التي قام بتأليفها وتلحينها مجموعة كبيرة من الشعراء والملحنين منهم عبدالرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وبليغ حمدي وكمال الطويل والموجي، بالإضافة إلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي كانت له إسهامات واسعة فيما يعرف بفن الثورة الغنائي.
كذلك كانت أغنيات «أم كلثوم» كوكب الشرق لها عظيم الأثر سواء في سنوات الثورة الأولى أو جهودها خلال العدوان الثلاثي عام 1956 وما قامت به للمجهود الحربي وقطار الرحمة لجمع التبرعات، وقدمت الكثير من الأغاني مثل «مصر التي في خاطري» و«صوت مصر» للشاعر إبراهيم ناجي و«نشيد صلاح جاهين (والله زمان يا سلاحي)»،
ولم تكن «أم كلثوم» و«العندليب» فقط من قاما بالغناء للثورة، ولكن كان هناك أيضا العديد من المطربين والمطربات مثل فايدة كامل وشادية وفايزة أحمد، ومحمد رشدي ومحمد قنديل وغيرهم، وكانت الإذاعة المصرية تنقل أعمالهم على الهواء ويحرص على تقديمها الإذاعي الراحل «جلال معوض» صاحب الصوت الرائع؛ حيث استطاعوا جميعا مع عبدالحليم وأم كلثوم أن يضعوا أعظم خريطة للغناء الوطني العربي.
الإبداع السينمائي
لم يتوقف الإبداع الفني الذي صنعته ثورة يوليو عند الغناء فقط، بل امتد ليصل إلى السينما والتليفزيون والمسرح أيضا؛ فعلى جانب السينما قامت مؤسسة السينما التي تتبع الدولة بإنتاج أفلام عظيمة؛ مثل فيلمي «الأرض» و«صلاح الدين»، كذلك فإنه تم تأريخ الثورة من خلال عدة أفلام سينمائية وعرض الأسباب والفساد الذي أدى إلى قيام ثورة يوليو؛ فهناك العديد من الأفلام التي رسمت صورة واضحة للثورة وللأوضاع التي سبقتها واستمدت مادتها من الحياة المصرية؛ فظهرت مجموعة من الأفلام الوطنية مثل فيلم «الله معنا» الذي تحدث عن قيام الثورة وتشكيل الضباط الأحرار وتعرض لقضية الأسلحة الفاسدة في 1948، وكذلك فيلم «في بيتنا رجل» للكاتب إحسان عبدالقدوس الذي تحدث من خلاله عن الفساد السياسي قبل قيام الثورة، وفيلم «القاهرة 30» للأديب نجيب محفوظ، وفيلم «لا وقت للحب» وغيرها من الأفلام.
بينما عبر الفيلمان «رد قلبي» و«غروب وشروق» عن جوهر الثورة، حيث أوضح فيلم «رد قلبي» الفترة التي سبقت الثورة وركز في الصراع الاجتماعي الذي كان يسود المجتمع، كذلك استطاع فيلم «غروب وشروق» أن يسلط الضوء على الفساد السياسي في القاهرة قبل الثورة وركز في تحليل الفساد الاجتماعي والأخلاقي واندفاع التيار الوطني لمحاولة تغيير الأوضاع عقب حريق القاهرة في 26 يناير من العام نفسه الذي قامت فيه الثورة.
الرقابة الفنية
وعلى الرغم من هذا الكم من الإبداع الفني والتطور السينمائي اللذين صاحبا ثورة يوليو، فانها لم تسلم من الانتقادات حيث هاجمها البعض واعتبروها أنها قامت بمصادرة الكثير من الأعمال الفنية، وقد ظهر العديد من الأعمال السينمائية التي هاجمت الثورة والنظام الاشتراكي والزعيم جمال عبدالناصر ومع ذلك فلم يتم منعها من العرض، فلم تكن الرقابة في ذلك الوقت شديدة وأزمة القرارات حيث أجازت العديد من الأعمال الناقدة للثورة وللرئيس الراحل عبدالناصر.
ومن هذه الأفلام فيلم «شيء من الخوف» للكاتب «ثروت أباظة» والمعروف في ذلك الوقت بمعاداته للثورة، وبالفعل رفضت الرقابة الفيلم لمهاجمته الصريحة للثورة والرئيس، إلا أن عبدالناصر طلب مشاهدة الفيلم وتم عمل عرض خاص له؛ وسمح بعدها بعرض الفيلم كاملا؛ وخاصة بعد أن قال «وهل تتصورون أنني عتريس؟ ـ وهو الشخصية المحورية ـ وإن كنا كذلك مثل العصابة فنستاهل الحرق» وتم بالفعل عرض الفيلم.
وكذلك الحال بالنسبة لفيلم «يوميات نائب من الأرياف» لتوفيق الحكيم الذي كان يهاجم من خلاله وزارة الداخلية ومع ذلك أجاز عبدالناصر عرضه، بالإضافة إلى فيلم «المتمردين» و«ميرمار».
كذلك الحال بالنسبة للمسرح الذي لم يتم مصادرة أعماله لمهاجمتها للثورة، فقد كانت هذه الفترة تتمتع بحرية الإبداع، فقد تم عرض مسرحية «السلطان الحائر» على الرغم من انتقادها الثورة، وكذلك مسرحية «بنك القلق» وغيرهما من الأعمال.
الرئيس والفن
لم يكن حرص عبدالناصر على الفن والفنانين لمجرد أنهم يخدمون الثورة وينطقون بإنجازاتها في أغنياتهم وأعمالهم، بل تقديرا منه لدور الفن في تقدم الشعوب وكان دائما ما يتابع الأعمال الفنية وكان شديد الاحترام لأهل الفن وكان له العديد من المواقف معهم.
ومن أبرز هذه المواقف موقفه مع عبدالحليم حافظ عندما راح يشكو له مرة إساءة قامت بها أم كلثوم تجاهه فما كان من «ناصر» إلا أن قال له: لا أنا ولا أنت نقدر أن نمس أم كلثوم فخلفها الشعب العربي كله.
كذلك كان عبدالناصر دائم المتابعة للفن ومثال على ذلك طلبه إلى الفنان فريد شوقي تقديم فيلم سينمائي يشرح فيه العدوان الثلاثي على مصر وجلاء البريطانيين عن مصر بعد احتلال دام 71 عاما، وبالفعل قدم فريد شوقي فيلم «بور سعيد».
كما طلب إلى الفنان إسماعيل ياسين إظهار الدور الوطني للجيش المصري ومحاولة جذب الشباب لأداء الخدمة العسكرية، وبالفعل قام بتقديم سلسلة أفلام منها «إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين في الأسطول، إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين بوليس حربي».
هكذا كانت نظرة الزعيم جمال عبدالناصر للفن وللفنانين وخاصة بعد أن بدأ الفن يعيش عصر ازدهاره بعد قيام ثورة يوليو.
وكالة الصحافة العربية