شرق و غرب
معركة سوريا.. معركة ضد الأسد والتاريخ
تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
لقد نجح المتمردون في سوريا في توجيه أقوى ضربة موجعة حتى الآن إلى نظام دمشق لكن لايزال يتعين عليهم أن يتغلبوا على بشار الأسد نفسه وتاريخ كامل من الانتفاضات التي شهدها العالم وكان مآل أغلبها الفشل الذريع.
عندما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن «معركة دمشق الحاسمة» تجري الآن في سوريا فقد أقر في الواقع بأن روسيا نفسها باتت تعتقد أن نهاية نظام بشار الأسد الدموي باتت قريبة، علما بأن روسيا ظلت تمثل الحليف الأقوى للنظام البعثي السوري على مدى الأشهر الستة عشر الماضية أي منذ تفجر الانتفاضة السورية في خضم ما أصبح يسمى «الربيع العربي».
من السهل فهم الأسباب التي تجعل روسيا أكبر مدافع عن بشار الأسد في المحافل الدولية تقر اليوم بأن المتمردين يحسمون الأمور لصالحهم ويطيحون بنظام دمشق وقد يتحقق لهما ذلك عما قريب.
لقد سبق للأنظمة العسكرية الدكتاتورية في العالم أن واجهت مثل هذه الثورات والانتفاضات وتكبدت الهزائم المريرة ، مثل الضربة الموجعة التي تعرض لها نظام دمشق ، غير أنها استطاعت الحفاظ على بقائها.
تظل كل السيناريوهات ممكنة في سوريا وقد يسقط بشار الأسد خلال سنة أو شهر أو حتى أسبوع من الآن غير أن سوريا قد تدخل أيضا التاريخ تاريخ الانتفاضات الفاشلة والحملات القمعية الناجحة في العالم.
بعد مرور أربعة أيام من القتال في أحياء العاصمة دمشق استطاع الثوار نقل المعارك المسلحة على تخوم القصر الرئاسي. لقد سارعت الحكومة السورية إلى نشر الدبابات والقوات وكثفت من الوجود الأمني كما وجهت بنادقها الرشاشة من على متن المروحيات إلى صدور السكان المدنيين، غير أن دبابات العالم لم تكن لتحول دون حدوث التفجير الذي ضرب عرين بشار الأسد نفسه وأدى إلى مصرع شخصيات عسكرية وأمنية رفيعة تعتبر من رموز الدائرة الضيقة للحكم البعثي ومن الأعمدة الأساسية التي يقوم عليها النظام السوري.
كيف ستكون تداعيات العملية النوعية التي هزت مبنى الأمن القومي في دمشق وأدت إلى مقتل وزير الدفاع وعدة شخصيات مهمة أخرى على مستقبل الصراع في سوريا؟ وهل أن ما حدث يؤذن بنهاية وشيكة لنظام بشار الأسد أو يمثل صفحة أخرى دامية تتلوها عدة فصول أخرى أكثر دموية في الصراع المفصلي الذي تشهده سوريا الآن؟
لا شك أن هذه العملية النوعية تمثل ضربة موجعة لنظام الحكم في دمشق حيث إن الثوار امتدت أيديهم إلى الدائرة الضيقة في حكومة بشار الأسد. ومما شك فيه أن قبضة نظام الأسد على سوريا بدأت تتراخى تدريجيا كما أنه بدأ يفقد زمام السيطرة على الأوضاع في دمشق غير أن أمورا كثيرة لايزال يلفها الغموض. فالأمن الشخصي لبشار الأسد نفسه أصبح موضع شك بعد هذا الاختراق النوعي الكبير.
يقول محلل عسكري لبناني:
«سيتم تعيين شخصيات جديدة في هذه المناصب التي أصبحت شاغرة غير أنه سيكون من الصعب إيجاد البديل المناسب لهؤلاء القتلى في هذه المرحلة العصيبة التي يواجهها نظام دمشق والتي أصبح يسودها الشك حتى في الشخصيات الموالية لنظام دمشق. فمن استطاع الوصول إلى عاصف شوكت ؟ صهر بشار الأسد ؟ يستطيع بعد اليوم الوصول إلى بشار الأسد نفسه. إن كل من يعمل اليوم في الدائرة الضيقة في نظام دمشق سيكون موضع شك وريبة. لقد زادت وتيرة الضباط المنشقين من مختلف الرتب العسكرية الرفيعة وقد تزيد وتيرتها أكثر من أي وقت مضى بعد أن أصبح نظام بشار الأسد في دمشق ينزف. كم عدد الجنرالات الذين سينشقون ويعبرون الحدود إلى دول الجوار بعد مقتل رؤسائهم الذين كانون يشكلون عصب المنظومة الأمنية التي يعتمد عليها نظام بشار الأسد؟
لا غرابة في ظل هذه التطورات أن يبدأ العديد من المراقبين في الحديث عن قرب نهاية نظام بشار الأسد وهم يتحدثون اليوم عن «المعركة الحاسمة» التي طال انتظارها على غرار «المعركة الحاسمة التي شهدتها ليبيا عندما نجح المسلحون في الوصول إلى طرابلس ليسقط بالتالي نظام العقيد معمر القذافي وينتهي حكمه الدكتاتوري الذي عمر أربعة عقود في ظرف ثلاثة أيام فقط. قد يكون هؤلاء المراقبون والمحللون على حق. فالمثير من السيناريوهات تظل ممكنة وفي مقدمتها سقوط نظام الحكم البعثي الذي ظل يحكم سوريا على مدى أربعين سنة بقبضة حديدية.
رغم ذلك يظل التاريخ مليئا بأمثلة عن المتمردين المسلحين الذي ينجحون في دك العواصم وقتل بعض كبار رموز النظام غير أنهم يفشلون في نهاية المطاف في الاطاحة بالنظام نفسه. فهل تكون «معركة دمشق الحاسمة» معركة أخرى خاسرة أم تشكل دمشق حالة استثنائية؟
شهدت فترة التسعينيات من القرن العشرين الماضي ثلاثة حروب من أكثر الحروب الأهلية دموية غير أن الأنظمة الحاكمة في هذه الدول استطاعت في نهاية المطاف الحفاظ على بقائها رغم أنها دفعت ثمنا باهظا. يتعلق الأمر بكل من الجزائر وسريلانكا والسلفادور. فهل يكون نظام الأسد المثال الرابع؟
في ربيع سنة 1989، رد المتمردون اليساريون المسلحون الفعل على فشل محادثات السلام بشن حملة من العمليات الدامية في العاصمة سان سلفادور بهدف إسقاط النظام الحاكم. لقد نجح اليساريون آنذاك في السيطرة على أجزاء كبيرة من العاصمة وقتلوا الكثير من كبار الشخصيات في النظام الحاكم وكان من ضمنهم وزير الرئاسة والمفتش العام وحتى المدير العام لإدارة مكافحة الحرائق. لقد اتسع نطاق المواجهات ليصل الى كبرى الأحياء السكنية لتستهدف منازل كبار المسئولين والضباط العسكريين إضافة إلى المباني التابعة للحكومة المركزية سنة .1990 رغم ذلك انتهت الحرب سنة 1992 بالتوقيع على اتفاق للسلام يمنح المتمردين العفو التشريعي العام فيما حافظ النظام على بقائه في السلطة.
شهدت الجزائر في التسعينيات من القرن العشرين الماضي حربا أهلية دامية استمرت عقدا من الزمن وأودت بحياة أكثر من مائة ألف شخص غير أن النظام الجزائري المدعوم من الجنرالات صمد في وجه تلك التحديات واستطاع بالتالي الحفاظ على بقائه. في سنة 1992 لم تكن العاصمة الجزائر تنعم بالسلام. فقد تعهد وزير الدفاع آنذك بشن «حرب لاهوادة فيها» ضد الاسلاميين في شهر يونيو من تلك السنة. لم يكد يمر يوم واحد حتى قتل الرئيس محمد بوضياف في عملية شكلت صدمة كبيرة في داخل الجزائر وخارجها. وفي سنة 1993 قتل المتمردون رئيس الوزراء الجزائري نفسه قاصدي مرباح غير أن الجنرالات أعادوا تنظيم صفوفهم وواصلوا القتال لسنوات أخرى حتى نجحوا في استنزاف الحركة التمردية وإلحاق الهزيمة بها في نهاية المطاف. لايزال الجنرالات حتى اليوم في السلطة.
شهدت سريلانكا صراعا طويلا وداميا بين الحكومة المركزية في كولومبو والمتمردين الذين ينحدرون من أقلية التاميل وقد كان ذلك الصراع من أكثر الحروب الأهلية دموية وفظاعة بما يفوق حتى الجرائم الشنيعة التي ترتكب الآن في سوريا من قبل نظام معزول في دمشق يسعى للحفاظ على بقائه بشتى السبل. لقد حقق المتمردون انتصارات عسكرية كبيرة غير أنهم تكبدوا في نهاية المطاف هزيمة نكراء شاملة. إن الحالة السريلانكية تظهر الفرق الكبير من بين إثخان النظام الحاكم بالجراح السطحية أو الغائرة من ناحية وإسقاطه فعليا من ناحية ثانية. ففي سنة 1991 قام الانتحاريون التاميل بتفجير أنفسهم مما أدى إلى مصرع تسعة عشر شخصا في العاصمة كولومبو وقد كان من بين القتلى وزير الدفاع المتشدد الأمر الذي شكل كسبا كبيرا للمتمردين التاميل. في نفس تلك السنة قتل المتمردون التاميل أكثر من خمسين من كبار الضباط العسكريين السريلانكيين في هجوم استهدف أحد مقرات القيادة العسكرية. بعد ذلك بعامين نجح المتمردون التاميل في قتل الرئيس السريلانكي نفسه رتاسنجا برماداسا غير أن القوات العسكرية النظامية ازدادت وحشية ودموية لتنجح في نهاية المطاف في إلحاق هزيمة نكراء بالمتمردين التاميل.
لقد أصدرت سلطات البيت الأبيض بيانا قالت فيه إنه «من الواضح» أن بشار الأسد في طريقه للسقوط. قد يكون ذلك صحيحا. هناك أمثلة على عدة ثورات أقل نجاحا من الثورة السورية غير أنها استطاعت في النهاية حسم الموقف لصالحها وتحقيق الانتصار فيما فشلت عدة ثورات وانتفاضات أخرى في بلوغ الهدف النهائي.
لذلك، قبل أن نبدأ في احتساب بشار الأسد ونظامه ضمن ضحايا الربيع العربي علينا أولا أن نحصي الحكام الدكتاتوريين الذين واجهوا مثل هذه الانتفاضات وظلوا محافظين على بقائهم حتى اليوم.
ذا أتلانتك