الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء

الاتحاد الخليجي ضرورة حتمية.. وإلا...

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٢




حتمت المتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة التي طرأت في بعض الدول العربية على منظومة دول مجلس التعاون الخليجي الانتقال إلى مرحلة نوعية جديدة من الدور الإقليمي السياسي بعد ان كان دورها منحصرا في شئونها الداخلية وذلك لأن هذه المتغيرات والاحداث التي طرأت على العالم العربي كان لها انعكاسها على الوضع في بعض دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة ما جرى في البحرين والسعودية والكويت، حيث فرض واقعا جديدا جعل لمنظومة مجلس التعاون الخليجي دورا سياسيا اقليميا ودوليا وتحدد هذا الدور الجديد لدول مجلس التعاون منذ وقوفها مع مملكة البحرين في اثناء احداث 14 فبراير 2011 التي تمثلت في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها حزب الله البحريني (جمعية الوفاق البحرينية) والتي تم التخطيط لها من قبل إيران وحزب الله اللبناني، ولو قدر لهذه المحاولة النجاح لاكتمل الهلال الشيعي الإيراني الذي هو حلم إيران في المنطقة، وتمت مواصلة هذا المخطط بحركة التمرد التي قام بها الشيعة الموالون لإيران في القطيف في المملكة العربية السعودية، وتبعها ما حدث في الكويت عندما قام الشيعة هناك بمحاولة تأزيم الموقف في كل من البحرين والسعودية.
هذا المشهد فرض ضرورة قيام دول مجلس التعاون بدور لا يحتمل التأجيل وهو الدور الاقليمي السياسي الذي مازالت ارهاصاته باقية إلى اليوم. ونجحت الدبلوماسية الخليجية في حلحلة قضيتين رئيسيتين أثبتت من خلالهما ظهور منظومة مجلس التعاون الخليجي كقوة لا يستهان بها، وما قامت به من دور في قضيتي اليمن وسوريا، حيت استطاعت هذه الدول الوصول إلى حل توافقي بين الحكومة والمعارضة، والثانية ما قامت به من دور فعال في اصدار قرار الجامعة العربية حول ثورة الشعب السوري.
لم تعد منظومة دول مجلس التعاون هي تلك الدول التي تدفع وتمول، انما أصبحت منظومة سياسية تؤخذ بعين الاعتبار من قبل العالم، ولذلك جاءت دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الجلسة الافتتاحية لاجتماع مجلس التعاون إلى الوحدة لكي تعبر عن هذا الدور الجديد، وأصبحت فكرة الاتحاد الخليجي قضية حتمية لا بديل لها وخاصة في ظل تزايد الصراع في المنطقة واتضاح نيات الدور الإيراني الذي بدأ مرحلة تنفيذ لمخططه عندما أشعل الوضع في البحرين، فقبل «أن يستفرد الذئب بالغنم» على هذه الدول الخليجية أن تدرك أن عالم اليوم ليس هو بعالم الدول الصغيرة انما هو بعالم التجمعات الدولية، واذا كان هذا الإدراك جاء متأخرا فانه يجب ألا يمنع المضي في تطبيقه حيث أصبح الاتحاد الخليجي ضرورة حتمية، وإلا فان المخطط الإيراني سوف يكون هو البديل.
ان طموحات إيران لا تنحصر في البحرين فقط وانما هي تمتد إلى دول الساحل الخليجي وخاصة بعد أن وجدت لها موضع قدم في العراق.
ومن الحقائق التي تجعل من هذا الاتحاد الخليجي أمرا حتميا لا مفر منه هو أن أمريكا ودول الغرب لم يعد يهمها الا ما يحقق مصالحها، وهذا ما عبر عنه قائد شرطة دبي في مؤتمر الأمن الخليجي الذي عقد في البحرين عندما قال:« ان أمريكا ليس لها صديق في العالم، انما لها مصالح.. وتابع قائلا: ان من جملة التهديدات التي تواجه أمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأطماع الإيرانية في الخليج، تأجيج النزاعات والخلافات الطائفية، عدم تجريم أفعال الكراهية، عدم سيادة القانون، الفساد المالي والإداري، عدم وجود ضمان اجتماعي، ضعف الانتماء الوطني، فقد الولاء».
كما أكد خلفان أن «الاتحاد لدول الخليج العربي غاية في الأهمية»، كما أن «السنوات الخمس القادمة ربما تكون سنوات «مخاض» على مستوى الأمن الخليجي من الناحية السياسية».
علينا أن نقر بأن منظومة دول مجلس التعاون لم ترتق بعد إلى ما ينشده المواطن الخليجي، فلقد شغل المجلس جل وقته في الفترة السابقة في حل النزاعات الحدودية التي خلفها الاستعمار، ورغم أن المجلس قد مر على إنشائه 30 عاما فانه مازالت قراراته تسير مثل سير السلحفاة مما جعل المجلس امام التحديات المعاصرة التي تواجهه الآن في سرعة من امره، وان كنا لا نقلل من التنسيق الأمني والسياسي بين دول المجلس إلا أن حجم الاستعدادات وعمل المجلس يجعلانه في هذه المرحلة امام أخطار لا تحتمل تأجيل دعوة الملك عبدالله إلى الاتحاد، إذ ان هذه الدعوة تعبر عن استشعار جلالة الملك الاخطار المحيطة بدول الخليج، كما أن الظروف والمعطيات الحالية فرصة لتحقيق الاتحاد أكثر من أي وقت مضى، فنحن لا نتحدث عن المصالح المشتركة بين هذه الدول وما يجمعها من ثقافة واحدة وتشابه كبير في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهذه واضحة للعيان وهي وحدها كفيل بأن تكون مدعاة للوحدة، ولكن ما هو أهم أن الاتحاد الخليجي لم يعد في هذه المرحلة الحرجة على الأمن الخليجي خيارا ولكنه أصبح لزاما لا مفر منه.. حتى لا نقول بعد ذلك أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.