الجريدة اليومية الأولى في البحرين


بيئتنا

تغير المناخ والمبـاني الخـضراء

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٢



تضمنت رؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030 طموحات تنموية عالية على المستوى الاقتصادي والحكومي والمجتمعي، وقد ورد فيها فقرة حول أهمية حماية البيئة الطبيعية وتطبيق أنظمة لتأمين كفاءة استخدام الطاقة في المباني وغيرها من أجل الاستدامة.
وقد بنّت البحرين رؤيتها في مجال الاستدامة منذ أن بدأ العالم يدرك مدى تفاقم قضية تغير المناخ وتأثيراتها السلبية على الموارد الطبيعية ورفاهية الانسان. ولعل مجالات التأثير التي أوجبتها قضية تغير المناخ كثيرة ولا تحصى، ولكن بات لابد من أخذ خطوات صارمة للتصدي لها، خصوصا أن الإنسان بأنشطته البشرية المتصاعدة يعتبر المسئول الأول عن سرعة هذه التغيرات، وهو الأمر الذي قضى إلى إيجاد حلول مستدامة للتقليل من استهلاك الإنسان للموارد التي تتسبب بتزايد انبعاثات الغازات الدفيئة المحفز الأول لتسارع وتيرة التغيرات المناخية.
من الاقتصاد الأخضر إلى المباني الخضراء:
عقد مؤتمر قمة الأرض الثالث في ريو بالبرازيل في الفترة من 20- 22 يونيو 2012، ويأتي هذا المؤتمر بعد مرور عشرين عاما من انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في عام 1992، وعشر سنوات على انطلاق مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهانسبرج عام 2002، وركز المؤتمر على محورين رئيسيين هما:
1- الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر.
2-الإطار المؤسسي للتنمية المستدامة.
فما هو الاقتصاد الأخضر ولماذا اصبح حديث الساعة؟ وما علاقته بتغير المناخ والمباني الخضراء؟
يعرف الاقتصاد الخضر بالاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان ومساواة اجتماعية في حين يقلل بصورة ملحوظة من المخاطر وندرة الموارد الايكولوجية، ويرتكز مفهوم الاقتصاد الأخضر على إعادة تشكيل وتصويب الأنشطة الاقتصادية لتكون أكثر مساندةً للبيئة والتنمية الاجتماعية، بحيث يشكّل طريقاً نحو تحقيق التنمية المستدامة. ويهتم الاقتصاد الأخضر بالاستثمار في التقنيات الخضراء التي يشمل مجالها العديد من المواضيع والمحاور التي تفتح أبواباً للابتكار والتقدم من تقنيات لتوليد الطاقة بصورة متجددة إلى منتجات كيميائية غير سامة. وينضوي تحت التقنيات الخضراء محاور عديدة، ابرزها الطاقة المتجددة والبديلة، والمباني الخضراء، والكيمياء الخضراء وتقنية النانو الخضراء. ومن المتوقع بحسب الخبراء في هذا المجال أن يجلب تطبيق التقنيات الخضراء تغيرات كبيرة في الحياة على كوكب الأرض على مدى العقدين القادمين. ولقد تضمنت مخرجات مؤتمر قمة الأرض +20 إصدار وثيقة ختامية «أهداف التنمية المستدامة» اشارت لأهمية تبني مفهوم الاقتصاد الأخضر بما يتناسب والظروف الوطنية لكل دولة.
ويبرز مؤخراً على الساحة المحلية بالبحرين العديد من المبادرات التي تدعم تبني مفهوم التقنيات الخضراء وما ينضوي تحتها من محاور ضمن سياسات المملكة في الاستثمار المستدام بكل أبعاده، مساهمة بذلك في التوجهات المحلية والدولية التي تعتبر التقنيات الخضراء من دعائم الاقتصاد الأخضر واستثمار المستقبل الواعد، وأحد الأدوات الفاعلة لتقليل الانبعاثات. وقد قامت المملكة بتطبيق فعلي لتشجيع تبني هذا التوجه عبر العديد من الفعاليات والأنشطة التي نفذتها عبر مؤسساتها الوطنية ولغرض التوعية بالفرص الاستثمارية التي ستتيحها، فعلى سبيل الذكر لا الحصر اقامت الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية معرض ومنتدى البحرين الدولي الأول للتقنية الخضراء 2012، وهو الأول من نوعه في البحرين بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية دةخص. وقد أتاح المعرض فرصا متميزة لعرض أحدث التقنيات في مجال البيئة ومن اهمها تلك المتعلقة في مجال المباني الخضراء. كما أن وزارة الطاقة متمثلة بالهيئة للكهرباء والماء تقوم وبشكل شبه سنوي بعقد مؤتمر يعنى بترشيد استهلاك الماء والكهرباء وتبادر باستضافة التقنيات الخضراء المصاحبة لتحقيق هذا الغرض على مستوى المؤسسات التجارية والمباني السكنية، فيما تقوم الجهات الحكومية الأخرى بالعمل بصيغ مختلفة على ذات السياق.
كما بدأت أيضاً تتبلور توجهات الجهات الحكومية المعنية بالمملكة بالاهتمام تحديداً بتطبيق مفهوم المباني الخضراء أحد محاور التقنيات الخضراء وركيزة من ركائز الاستثمار في الاقتصاد الأخضر. إذ سعت مؤخراً وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني لإعداد وثيقة لمعايير المباني الخضراء بالدولة، في حين قامت وزارة الأشغال بتبني مفهوم البناء المستدام للمنشئات العامة، فما هي المباني الخضراء وما هي فوائدها وأي من الدول العربية قامت بتبني هذا المفهوم؟
المباني الخضراء:
المباني الخضراء، التي تعرف أيضاً باسم البناء المستدام هي عبارة عن مبان يتم تصميمها وبناؤها أو تجديدها وتشغيلها، أو إعادة استخدامها بطريقة بيئية، وبكفاءة في استخدام الموارد، والهدف من وراء وجود مثل هذه المباني هو حماية صحة القاطنين فيها، وتحسين إنتاجية العمال والموظفين، واستخدام الطاقة والمياه وغيرهما من الموارد بشكل أكثر كفاءة، والحد من التأثير الكلي على البيئة.
ويرجع تاريخ المباني الخضراء إلى أواخر عام 1800 وأوائل عام 1900 عندما كانت الثورة الصناعية في خضمها إذ شوهد ولأول مرة تحول الطاقة الشمسية الى طاقة كهربائية، والمعروفة حاليا باسم الطاقة الضوئية.
فحول هذا الوقت تم بناء عدد من محطات توليد الطاقة الشمسية للاستفادة من طاقة الشمس لقوة البخار. ثم، في عام 1950، تم استخدام الطاقة الشمسية على الطريق وفي نطاق ضيق للغاية، وقد دفعت أزمة الطاقة في السبعينيات من القرن الماضي والزيادات في أسعار النفط الى زيادة البحث والتطوير في مجال تحسين كفاءة استخدام الطاقة وايجاد مصادر للطاقة المتجددة، وتوازى ذلك جنبا إلى جنب مع الحركة البيئية التي انبثقت في الستينيات والسبعينيات والتي دعمت توجهات تبني ممارسات بناء صديقة للبيئة مشكلة بذلك أقرب التجارب الى المعاصر من المباني الخضراء الحالية.
وقد أنشأ العديد من دول العالم المتقدمة مجالس تسمى بمجالس الأبنية الخضراء للتعريف بهذه المباني وللمساعدة على صياغة السياسات البيئية المستدامة من حيث البناء، وقد وضعت هذه الدول معايير أساسية لتقييم المباني الخضراء تتناول العديد من العناصر الفنية الهامة. وتمثل المباني جنبا الى جنب مع الغذاء والرعاية الصحية أبسط وأهم الاحتياجات الإنسانية للإنسان، وكلما تطور الاقتصاد في المملكة قضى المواطنون المزيد من الوقت داخل المباني، إذ يصل الوقت الذي يقضيه البشر في الدول المتقدمة داخل المباني بما يعادل 90% من وقتهم، ولقطاع المباني آثار كبيرة على البيئة إذ يشكل حوالي ثلث الطلب العالمي على الطاقة كما يشكل أيضاً القطاع الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة في جميع الاقتصادات. وتسهم المباني في المتوسط بحوالي 45% من انبعاثات الكربون في المدن ويعتبر غاز الكربون (الغاز الأكثر انبعاثاً من الأنشطة البشرية) أحد أهم غازات الدفيئة التي تتسبب في تغير المناخ التي عادة ما تنجم عن حرق الوقود الأحفوري. ويعتبر قطاع المباني واحداً من أهم القطاعات التي تتيح فرصا قليلة التكلفة للتخفيف من الانبعاثات على مستوى الدولة.
وتعود المباني الخضراء بالعديد من الفوائد الاقتصادية على مستثمريها وعلى الدولة، وبالرغم من أن التكلفة الكلية لإنشاء المباني الخضراء على المدى القصير تكون أكثر من المباني العادية/ التقليدية بما مقداره 2 إلى 5% فإنها وعلى المدى الطويل تعود بالفائدة على الاقتصاد والدولة في نواحٍ عديدة، فبالإضافة إلى قدرتها على تحسين كفاءة استخدام الطاقة مؤدية الى خفض الاستهلاك بما نسبته 26% وبالتالي فعالية اكبر من حيث خفض تكلفة الطاقة عما هي عليه في المباني التقليدية من خلال تصميمها وإدارتها، فإنها أيضاً تساهم في خفض الانبعاثات المسببة لغازات الاحتباس الحراري بما نسبته33%. وتعتبر المباني الخضراء أداة رئيسة للتكيف مع تغير المناخ فيما تقدمه من توفير في استخدام المياه وكفاءة في استخدام الموارد تتمثل في تقليل المواد المستهلكة عند البناء وبعد الإشغال، والتشجيع على إعادة التدوير لها وبخفض في كلفة الصيانة يصل الى 13%، مع رضاء أكبر وأفضل للقاطنين (السكان والموظفين) لما توفره من هواء متجدد وإضاءة وتحكم في مناخ المبنى يصل الى ما نسبته 27% مقارنة بالمباني التقليدية. كما أن المباني الخضراء أيضاً تعتبر أداة رئيسة مساندة للعديد من قضايا التنمية المستدامة بما في ذلك أمن الطاقة والتخفيف من حدة الفقر، وامدادات المياه وإدارتها، والصحة العامة.