الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٢ - الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

العنصرية: صناعة إسرائيلية بالدرجة الأولى





لم تكن واقعة ركل ضابط إسرائيلي يوم ٢٩/٦/٢٠١٢ للطفل الفلسطيني «عبدالرحمن برقان» البالغ من العُمر ٩ سنوات في مدينة الخليل بالضفة الغربية - وهي الواقعة التي أعلنت السلطات الإسرائيلية التحقيق في ملابساتها في حين تجاهلتها ولم تشر إليها منظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش وهيومان رايتس فيرست- سوى تعبير رمزي، عن الطبيعة الإجرامية والعنصرية الفجة لدولة إسرائيل، وكيف أن العنصرية هي السمة الغالبة على سلوك وممارسات الجميع سواء قادة أو حكومات أو حتى مواطنين عاديين.

وإذا كانت العنصرية ودولتها قد سقطتا في جنوب إفريقيا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ومع الاعتراف بأن هناك بعض صور العنصرية التي تمارس في أوروبا وأمريكا ضد العرب وذوي الأصول الإفريقية، إلا أن إسرائيل تكاد تكون هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمارس العنصرية في أقسى وأبشع صورها ليس فقط بحق العرب والفلسطينيين وإنما أيضا بحق اليهود أنفسهم من ذوي الأصول الشرقية (العربية والفارسية) وكذلك الإفريقية.

والطبيعة العنصرية للمجتمع الإسرائيلي في واقع الأمر ليست بمستغربة، لأن نشأة إسرائيل نفسها كدولة - بغض النظر عن دوافعها السياسية - كانت نشأة عنصرية؛ حيث إن فكرة وجود دولة لجمع شتات اليهود أو قائمة على أساس الدين هي فكرة عنصرية في حد ذاتها؛ لأنها تحمل في طياتها تمييزا ضد أتباع الأديان الأخرى سواء الإسلام أو المسيحية.

والميل إلى التمييز وممارسة العنصرية ضد الآخرين يرجع في جانب كبير منه إلى اعتبارات دينية وتلمودية نابعة من فكرة أن اليهود هم «شعب الله المختار»، وبالتالي لهم الأفضلية على الشعوب الأخرى (الأغيار) الذين ليسوا سوى «جوييم» أي غوغائيين وسوقة وأشرار ومن حق اليهود استعبادهم وقتلهم والاستيلاء على أراضيهم وأموالهم؛ إذ لم يخلقوا على صورة الإنسان إلا ليكونوا في خدمة الشعب اليهودي النقي.

وتلك الأفكار العنصرية يؤكدها كتاب «عقيدة الملك» الصادر عن مؤسسة «اليشيفاه» عام ٢٠٠٩ الذي يحتوي على فتاوى دينية يهودية تبيح قتل الفلسطينيين والعرب حتى إن كانوا أطفالا رُضع كونهم يشكلون خطرا على إسرائيل.

هذه العنصرية الإجرامية مارسها اليهود في أبشع صورها بالفعل في فلسطين، فمنذ أن عملت الحركة الصهيونية على استجلاب اليهود لغزو فلسطين كان الهدف الأهم تفريغها من أهلها وطردهم، فقامت العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨ بارتكاب مجازر بشعة في «قبية» و«دير ياسين»، كما دمروا ٥٢٠ قرية فلسطينية لإقامة مستعمرات عليها، وكذا تم تهجير ٧٥٠ ألف فلسطيني من وطنهم، ومن بقي منهم عانوا ممارسات يهودية عنصرية من أجل جعل حياتهم صعبة وحملهم في النهاية على الرحيل.

وما فعله اليهود في فلسطين التاريخية حتى يقيموا دولتهم فعلوه أيضا بعد احتلالهم الضفة الغربية وقطاع غزة عام ١٩٧٦؛ إذ مورست كل أشكال المعاملة التمييزية ضد الفلسطينيين من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث فرضت القيود على تحركاتهم حتى داخل أراضيهم، ومورست سياسة الاعتقال العشوائي حتى ضد النساء والأطفال، وكذلك الاغتيال والقتل الممنهج، ولاسيما ضد رموز وعناصر المقاومة، فضلا عن هدم المنازل ومصادرة الأراضي لإقامة المستعمرات واقتلاع الأشجار المثمرة وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية هذا غير جدار الفصل العنصري، وما يمارس من حصار وعدوان متكرر ضد قطاع غزة.

ولقد كانت فظاعة الممارسات العنصرية الإسرائيلية دافعا لتبني قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار ٣٣٧٩) عام ١٩٧٥ باعتبار الصهيونية «شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، بيد أن سقوط الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم وهيمنة اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية قادت الضغوط لإسقاط القرار، وهو ما تم في ١٦/١٢/.١٩٩١

ورغم أن ممارسة إسرائيل لسياسة التمييز العنصري ليست بحاجة إلى دليل، وإنما يؤكدها ما يتابعه العالم من انتهاكات واعتداءات بصورة يومية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورغم أن العالم يغمض عينيه عن هذه الممارسات ولا يلقي لها بالا، فإن فظاعة هذه الممارسات جعلت البعض حتى من اليهود أنفسهم يستنكرون مثل هذه الممارسات ويصفونها بأنها بشعة وغير مسبوقة، فالقس الجنوبي إفريقي «ديزموند توتو» الحائز جائزة نوبل للسلام قال: «إن الفلسطينيين يدفعون ثمن محرقة الغرب ضد اليهود» واعترف بأن «ممارسات الاحتلال الإسرائيلي أسوأ من ممارسات الأبارتهايد بجنوب إفريقيا، لأن الأخيرة لم تكن تعرف العقاب الجماعي، كما لم يتم هدم بيوت بداعي أن أحد أبناء العائلة مشتبه في الإرهاب».

أما المليونير الإسرائيلي «عاموس شوكن» مالك صحيفة هاآرتس فيقول: « الابارتهايد في جنوب إفريقيا كان يميز بين لونين الأبيض والأسود، أما هنا في إسرائيل فهناك ابارتهايد بين شعبين.. الأول يملك كل الحقوق والآخر محروم منها، كما أن الأول يحكم الثاني».. ويتساءل: «إلى متى ستظل إسرائيل بهذا الشكل؟».

وبدورها لم تختلف رؤية الإعلامي والناشط اليهودي الأمريكي «بيتر بينارت» المعروف بهويته الصهيونية ودفاعه عن إسرائيل؛ حيث وصف الدولة الصهيونية في كتابه «أزمة صهيون» بأنها «معسكر مسلح نذر نفسه لاضطهاد الفلسطينيين».

والمتابع حاليا لما يجري داخل الأراضي العربية المحتلة أو داخل إسرائيل نفسها يلاحظ أن أشكال التمييز العنصري كافة تمارس داخل المجتمع الإسرائيلي بصورة ممنهجة وبتأييد ودعم من مؤسسات الدولة الرسمية سواء الحكومة أو الكنيست أو حتى المحكمة العليا، كما أنها لا تمارس ضد الفلسطينيين وحدهم (سواء في الضفة الغربية أو غزة أو عرب إسرائيل).. ولكنها تمارس داخل المجتمع الإسرائيلي بين اليهود أنفسهم من خلال تصنيفهم إلى يهود أوروبيين (أشكيناز) ويهود شرقيين عرب وإيرانيين (سفارديم) ويهود اثيوبيا (الفلاشا)، علاوة على موجة العنصرية التي يشتد سعيرها حاليا ضد اللاجئين الأفارقة الذين توغلوا بطريقة غير شرعية إلى داخل إسرائيل.

وإذا نظرنا إلى خريطة وأشكال التمييز العنصري التي تمارس حاليا من جانب إسرائيل وفقا للتصنيف السابق فسنجد الآتي:

أولا- التمييز ضد الفلسطينيين، وهذا التمييز ظهرت له صور عديدة في الفترة الأخيرة، ومنها:

- قيام محكمة العدل العليا بإخضاع الحقوق الإنسانية والدستورية للمواطن الفلسطيني لاعتبارات أمنية وقومية (بمساندتها موقف المؤسسة الأمنية) حين صدقت على قانون المواطنة؛ حيث ينُص ذلك القانون على منع لم شمل عائلات فلسطينية داخل حدود إسرائيل في حالة ما إذا كان أحد الزوجين من فلسطينيي مناطق ١٩٦٧ أو من دولة معادية، وبُرر ذلك بدعوى أن الفلسطينيين يريدون تطبيق حق العودة من الباب الخلفي والزعم بأن بعض أفراد الأُسر التي تم لم شملها قام بعمليات إرهابية أودت بحياة إسرائيليين، فحقوق الإنسان بحسب المحكمة يجب ألا تعني الانتحار القومي وعدم تطبيق القانون سيتسبب في تدفق الفلسطينيين على إسرائيل، الأمر الذي سيؤثر في هوية الدولة.

- ممارسات إسرائيل الخاصة بتقسيم المياه، فبحسب تقرير للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي صدر في يناير٢٠١٢، فإن تقسيم المياه في الضفة الغربية يتم بطريقة عنصرية، فما يعطى للمستوطنين (٤٥٠ ألف مستوطن) بالضفة أكثر مما يعطى لأهل الضفة أنفسهم (٢,٣ مليون نسمة)، فنصيب الفلسطيني ١٠٠ لتر لكل فرد يوميّا لجميع الاستخدامات مقابل ٣٥٣ لترا للفرد بإسرائيل ونحو ٩٠٠ لتر للمستوطن بالضفة.. والحد الأدنى وفقا لمنظمة الصحة العالمية ١٥٠ لترا، وتهدف التفرقة إلى حرمان الفلسطينيين من أسباب الحياة ودفعهم إلى النزوح، فهي عنصرية وظيفتها وهدفها تحقيق الترانسفير.

- فرض القيود على إجراءات تسجيل القيد وإقامة الفلسطينيين وسفرهم من الضفة وغزة وإليهما، فتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش في يناير ٢٠١٢ أفاد أن إجراءات إقامة الفلسطينيين حرمت الآلاف منهم من القدرة على الإقامة والسفر من الضفة الغربية وقطاع غزة وإليهما؛ إذ إن القيود لا تسمح إلا للسكان الذين تعترف إسرائيل بوجودهم بالحصول على هوية فلسطينية، وهي الوثيقة التي تسمح لهم بالتنقل داخل الأراضي الفلسطينية عبر الحواجز الإسرائيلية، وقد أدت طريقة ممارسة الجيش الإسرائيلي لسيطرته على سجل السكان الفلسطينيين إلى الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة وفقدان الكثيرين لوظائفهم ولفرصهم التعليمية ومنع أفراد من دخول الأراضي الفلسطينية وحبس آخرين داخلها.

- استهداف سكان مدينة عكا من العرب، إذ باتوا هدفا للترحيل من المدينة القديمة التي تحتاج بيوتها إلى ترميم؛ حيث بدأت شركات إسرائيلية شراء مبان من القيمين على أملاك الغائبين(من الفلسطينيين) لإقامة فنادق سياحية وسط مساكنهم، واشتكى السكان العرب إهمالهم من السلطات الإسرائيلية سواء على صعيد تطوير الأحياء العربية أو رفع مستواهم المعيشي، كما يشعرون بالاستياء من منعهم من العيش بالإحياء اليهودية المتطورة.

وتبذل إسرائيل حاليا جهودا حثيثة لتهويد المدينة بعد أن اعتبرتها اليونسكو مدينة تراثية، وهي تسابق الزمن لأجل ترحيل سكانها العرب.

- ممارسات إسرائيل العنصرية ضد المسيحيين الفلسطينيين، حيث كشف تحقيق لبرنامج ٦٠ دقيقة بقناة سي بي إس الأمريكية في مايو ٢٠١٢ عن سوء معاملة إسرائيل للمسيحيين الفلسطينيين واضطهادهم، حتى إن غالبية منهم هاجرت فتقلصت نسبة المسيحيين بفلسطين إلى ٢% بعد أن كانت ٥% أيام الانتداب.

-استمرار سياسة الحصار لغزة الذي أدانته منظمة العفو الدولية في تقريرها في مايو ٢٠١٢؛ إذ وصفته بأنه أدى لخنق الاقتصاد المحلي وأطال عمر الأزمة الإنسانية القائمة واعتبرته يشكل انتهاكا للقانون الدولي وشكلا من أشكال العقاب الجماعي.

-التمييز العنصري ضد خريجي الجامعات من المواطنين العرب الذي يعكسه حقيقة أن ٢٩% من أصحاب العمل اليهود يرفضون تشغيلهم لكونهم عربا، وحتى الذين يتم تشغيلهم، فإن أغلبهم لا يعملون بالمهنة التي تعلموها، أيضا هناك فجوة من حيث الرواتب بين العربي واليهودي، فالأكاديمي العربي يحصل على راتب ١٩٠٩ دولارات مقابل ٣١٨٩ دولارا للأكاديمي اليهودي.

ثانيا- التمييز ضد اليهود الشرقيين والفلاشا، وهذا التمييز قائم منذ قيام دولة إسرائيل؛ حيث صُنف اليهود المهاجرون لفلسطين إلى يهود أوروبيين (أشكيناز) ويهود شرقيين (سفارديم) وجرى تمييز الأوروبيين في العمل؛ إذ يحتلون المناصب القيادية والعليا، وأيضا في الإقامة؛ حيث يسكنون في المناطق والأحياء الراقية في حين يجيء الصنف الثاني في المرتبة الأقل.

ولعل من صور التمييز الحديثة بين الفريقين تلك الدعوى القضائية التي رفعها آلاف اليهود الشرقيين مؤخرا يشتكون فيها الحكومة لتعاملها معهم بتمييز عنصري لصالح الأشكيناز في توزيع الغنائم الفلسطينية (نهب البيوت الفلسطينية المهجورة من عام ١٩٤٨)؛ حيث قامت إسرائيل بعد النكبة بوضع يدها على بيوت وعقارات خلفها المشردون الفلسطينيون بعد طردهم من بلدهم، فعمدت الدوائر الحكومية لإسكان الأشكيناز القادمين من أوروبا وأمريكا في البيوت الفلسطينية الفاخرة، بينما أرسلت اليهود الشرقيين القادمين من الدول العربية وإيران إلى قرى عربية محيطة، وقامت تلك الدوائر بإبلاغ الأشكيناز بقانون صدر عام ١٩٥٤ ووسعت صلاحياته عام ١٩٥٨ يجيز لمن يسكن بيت فلسطيني أن يمتلك البيت وبعد فترة يمكنه بيعه، لكنها أخفت ذلك عن الشرقيين الذين توجهوا للمحكمة لتأمر لهم بتعويض عن خسائرهم بسبب جهلهم بحقوقهم القانونية، وهو تصرف من الدوائر الحكومية تكمن وراءه سياسة تمييز عنصري ضد اليهود الشرقيين لأنهم مقبلون من الدول العربية.. وهي قضية تتجاهل تماما حقوق أصحاب العقارات الأصليين من الفلسطينيين.

أما يهود «الفلاشا» الإثيوبيون، فرغم أن الحكومات الإسرائيلية استجلبت الكثيرين منهم لإرساء الطابع اليهودي للدولة ولمواجهة أي تكاثر سكاني عربي، فإنهم واجهوا مظاهر العداء داخل المجتمع اليهودي؛ حيث يرفض سكنهم في مناطق معينة كما يرفض قبولهم للعمل في وظائف النخبة، والأكثر من ذلك أن اليهود الآخرين لا يعترفون بهم كيهود ويصفونهم بلفظ «الكوش» وتعني «العبيد» في التعامل معهم.. ويؤكد رئيس جمعية اليهود القادمين من إثيوبيا أن اليهود الإثيوبيين يتعرضون لتمييز عنصري واضح من المؤسسات الرسمية وعامة الإسرائيليين وأغلبهم هُجِروا لإسرائيل للعمل في وظائف دُنيا مثل كنس الشوارع وتنظيف دورات المياه.

ثالثا- التمييز ضد اللاجئين الأفارقة، فقد شهدت إسرائيل منذ عام ٢٠٠٧ تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الأفارقة - توغلوا إليها عبر الحدود المصرية- قادمين من دول إفريقية فقيرة أو تعاني حروبا ومشاكل أمنية؛ حيث قُدرت أعدادهم بحوالي ٧٠ ألفا أغلبهم من السودان وإريتريا.

ولأنهم أفارقة ودخلوا إلى إسرائيل (الدولة العنصرية) بطريقة غير مشروعة، لذا نحت السلطات الإسرائيلية جانبا الاعتبارات الإنسانية في التعامل مع قضيتهم، واعتبرتهم خطرا ينذر بالقضاء على نقاء الدولة اليهودية، فلجأت إلى أساليب عنصرية غير إنسانية من أجل طردهم وإعادتهم إلى بلادهم رغم المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها.

ولقد اتهم مركز مساعدة العمال الأجانب في تقرير نشره في ٢٠/٤/٢٠١٢ حكومة نتنياهو بارتكاب ممارسات بشعة ضد اللاجئين السودانيين لدفعهم بالقوة إلى مغادرة إسرائيل؛ حيث تقوم جهات التحقيق معهم بممارسة ضغوط نفسية عليهم أثناء استجوابهم، وتشير الأرقام في عام ٢٠٠٩ إلى أنه من بين ٨٦٢ لاجئا طلبوا الاعتراف بهم كلاجئين اعتُرف باثنين فقط فيما اعتُرف بـ ٦ فقط من ٣٣٦٦ لاجئا حتى عام .٢٠١٠

ويقود الحرب على اللاجئين الأفارقة كل من رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» ووزير داخليته «إيلي يشاى» فـ «نتنياهو» ادعى أن ٩٩% منهم كذابون وجاءوا لإسرائيل بحثا عن عمل، وزعم أن عددهم قد يصل إلى ٦٠٠ ألف لاجئ، الأمر الذي يؤدي لإلغاء يهودية الدولة العبرية ويهدد أمنها القومي وأعلن دعمه للداعين لطردهم وإبعادهم إلى جنوب السودان واتخاذ خطوات سريعة لترحيلهم.

أما «إيلي يشاي» الذي يقود عملية البطش باللاجئين ويعمل على إعادة تهجيرهم لإفريقيا فيطالب بوضعهم وراء القضبان وإرسالهم لبلادهم، وذلك لأجل حماية الطابع اليهودي لإسرائيل، ودعا إلى تخصيص موازنة لإقامة سجون ومعتقلات على حدود مصر مع اعتقال من يضبط من المتسللين وسجنه بهذه المعتقلات.

ولتنقية إسرائيل من متسللي إفريقيا وضعت حكومة «نتنياهو» خطة تتضمن ثلاثة عناصر، الأول: تشديد الرقابة بتكثيف دوريات الجيش على طول حدود مصر.. والثاني: احتجاز المتسللين في المعتقلات.. والثالث: اتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لطرد اللاجئين المتسللين ويقودها نواب يمينيون متطرفون بترويج إشاعة تسببهم في ظواهر عنف وسرقة واغتصاب.

ولقد تسبب التحريض الحكومي ضد اللاجئين في حدوث مظاهرات ضدهم في تل أبيب ومدن أخرى شهدت اعتداءات دموية على عدد من العمال، كما جرت محاولات لإحراق ٥٠ عاملا إفريقيا في القدس أثناء نومهم في بيوت استأجروها.

واستكمالا لفصول المأساة قام الكنيست العنصري بسن قانون بدأ تطبيقه ٣/٦/٢٠١٢ يقضي بسجن أي متسلل إفريقي ٣ سنوات ويتم ترحيله بعدها إلى بلده، وبدورها قامت سلطات الهجرة الإسرائيلية في ١١/٦/٢٠١٢ بتنفيذ مخططها لطرد آلاف اللاجئين الأفارقة، فشنت حملة اعتقالات واسعة ومداهمات لأماكن سكنهم وتجميع المعتقلين بمعسكر صحراوي لترحيلهم إلى السودان، حيث تم ترحيل بعضهم بالفعل رغم اعتراض منظمات حقوق الإنسان.

إن مختلف النماذج والأشكال السابقة للتمييز العنصري التي تمارسها إسرائيل سواء ضد الفلسطينيين أو حتى فئات من اليهود والأفارقة تؤكد أن إسرائيل دولة عنصرية وأن ما تمارسه من تمييز عنصري يعد أبشع مما كان يمارس في جنوب إفريقيا العنصرية.

والغريب أن العالم يشاهد رأي العين ما يجري من انتهاكات عنصرية على يد العنصريين الإسرائيليين، ولكنه مع ذلك لا يحرك ساكنا لوضع حد لهذه الممارسات.. فهل هذا الصمت لأنه يدرك أن إسرائيل تتمتع بحماية خاصة من جانب الغرب وأمريكا تحديدا؟ المؤكد أن هذه الحماية تجعل هذه الدولة العنصرية فوق المساءلة بل فوق الإدانة.. وتجعلها تتمادى في ممارساتها وانتهاكاتها.

واللافت أن تقرير الخارجية الأمريكية حول ممارسات حقوق الإنسان بإسرائيل يوضح أن انتهاكات حقوق الإنسان بها تتمثل في التمييز الدستوري والتشريعي والمجتمعي ضد الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، فإن الكونجرس الأمريكي يطالب الخارجية الأمريكية في مساعيه لتقليص ميزانية وكالة الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) بتقديم تقرير بعدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا عامي ١٩٤٨ و١٩٦٧ وذلك من أجل شطب حق عودة ملايين اللاجئين لديارهم بوضع تعريف أمريكي جديد لمفهوم «اللاجئ» وهو تحرك خبيث هدفه إزاحة حقوق اللاجئين عن مائدة التفاوض رغم أن القانون الدولي يدعم بقوة حق الفلسطينيين في العودة لمنازلهم التي طُردوا منها.

وما سبق لا يعني سوى أن الولايات المتحدة تساعد إسرائيل على الاستمرار في سياستها العنصرية ونهجها الاستئصالي وتتحمل المسؤولية الأخلاقية عما ترتكبه هذه الدولة من انتهاكات وتمييز عنصري ضد الفلسطينيين وغيرهم، وعلى ذلك وأمام عجز المجتمع الدولي ممثلا في منظماته الأممية عن اتخاذ إجراء حيال إسرائيل فقد يكون من المفيد قيام المعنيين من فلسطينيين وعرب وغيرهم من الكارهين للعنصرية بشن حملة دولية واسعة من أجل فرض العزلة عليها مثلما حدث مع النظام العنصري بجنوب إفريقيا فالعمل على معاقبة إسرائيل بمقاطعتها اقتصاديّا ودبلوماسيّا قد يكون أكثر تأثيرا حتى تتخلى عن ممارساتها العنصرية.. وإلا فإن الاستمرار في تلك الممارسات سيكون هو المعول الذي يهدم الدولة على رؤوس أصحابها من العنصريين الصهاينة.















































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة