الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء

حين تجتمع أناقة الأديب مع تألق المبدع وعزيمة المناضل

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢




قلّما نجد شخصيات تشبه الذين تجتمع فيهم سمات التميز النوعي والمتنوع تماماً كما كانت في شخصية المناضل العروبي اللبناني الراحل أحمد سويد النوعي والمتنوع، العابر للمناطق والانتماءات والبيئات والاقطار، الجنوبي اللبناني، العروبي الانساني.
في زمن اصبحت فيه صناديق الاقتراع عدادات طائفية ومذهبية، ودواليب السيارات ادوات العصبيات تشعل بها الوطن وتقطع اوصال البلاد، افتقدنا مؤخرا احمد سويد الشخصية الجامعة ابن العروبة الجامعة، والملتزم بفلسطين الجامعة، والمدافع عن نهج المقاومة الجامع.
******
ما من أمر يريح روح فقيدنا الغالي الأستاذ أحمد سويد (رحمه الله) في مثواه الأخير، أكثر من تأبين يقام في ذكراه ويتلاقى مع مناسبتين أمضى أبو سامر حياته مخلصاً لمعانيهما.
المناسبة الأولى هي الذكرى الستين لثورة 23 يوليو التي نعتز أن يكون تأبين الراحل العروبي احمد سويد هو أول الأنشطة التي يقيمها المنتدى القومي العربي لهذه المناسبة هذا العام استعادة لروح تلك الثورة، روح قائدها الخالد جمال عبد الناصر الذي بقي راحلنا الكبير أميناً لذكراه، وفياً للأهداف التي حملها، ثابتاً على المبادئ التي جسّدها.
أما المناسبة الثانية فهي الذكرى السادسة لنصر لبنان المقاوم على العدوان الصهيوني في علامة فارقة في تاريخ الصراع مع هذا العدو منذ نكبة فلسطين عام 1948، التي تفتّح وعي أحمد سويد القومي في أجوائها، لاسيّما وهو ابن كفرحمام المجاورة لفلسطين جغرافياً، الملتحمة بها تاريخياً، المحتضنة مع جاراتها في العرقوب لثورتها المعاصرة.
العروبة كهوية جامعة، وفلسطين كقضية جامعة، والمقاومة كنهج جامع، هي المبادئ التي حملها أحمد سويد في حياته، فكان قيمة وقامة، رمزاً وهامة، مدركاً أنها مبادئ ما اقترب منها إنسان أو جماعة أو نظام إلاّ واعتزّ، وما ابتعد عنها أحد إلاّ اهتزّ.
******
دوّى اسم أحمد سويد في أذني وأبناء جيلي، وكنا فتياناً في أواسط الخمسينيات، فدوّى خطيباً مميّزاً في تظاهرات الطلاب في صيدا، ثم في دمشق، ودوى مناضلاً عنيداً خرج من قلب العرقوب الصامد على حدود الوطن مع فلسطين الغالية والجولان الأغر.
وحين قرّر خوض المعركة الانتخابية في دائرة مرجعيون ؟ حاصبيا، ترك ترشيح أحمد سويد أثراً شعبياً هادراً في تلك المنطقة، كما ترك أثراً سياسياً لافتاً حين وضعت السلطة آنذاك كل ثقلها لمنع فوزه، بل لإسقاط لائحة الرئيس كامل الأسعد (رحمه الله) لأنها تضمه، وذلك لأن أحمد سويد آتٍ إلى النيابة من خارج نادي التقليد السياسي، بل آتٍ إلى النيابة من بين الجماهير رافعاً راية العروبة التحررية ومؤمناً بمبادئ القومية العربية.
في أوائل الثمانينيات تعرفنا إلى أحمد سويد أمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين مع عدد من كبار الأدباء والمثقفين والشعراء، فوجدنا فيه رجلاً يحمل بين أناقة الأديب، وتألق المبدع، ولباقة السياسي، وحجة القانوني، وصلابة المؤمن، وعزيمة المناضل.
وجمعتنا على مدى ثلاثين عاماً مواقف ومواقع في حركة النضال الوطني والقومي، وفي مسيرة العطاء الأدبي والفكري، فلم يتخلّف يوماً عن التجاوب مع أي نداء وطني وقومي، ولم يتأخر عن حضور ندوة أو مؤتمر أو مسيرة انعقدت على طريق وحدة لبنان وعروبته.
في هذا العمل المشترك أذكر له مشاركتنا معاً في لجنة الدفاع عن المناضل الراحل خالد جمال عبد الناصر ورفاقه في ثورة مصر يوم لاحقهم نظام مبارك بتهمة قتل الصهاينة في مصر، واشتركنا معاً في لجنة مناهضة العدوان الأمريكي ؟ الأطلسي على العراق عام 1990، وكان في طليعة من شارك في تأسيس المنتدى القومي العربي عام 1991، وأحد 12 شخصية سورية وعراقية وأردنية ولبنانية (بينهم الراحلون منصور سلطان الأطرش، د. حسان مريود، د. جمال الاتاسي، حمد الفرحان، وصبحي عبدالحميد، والإخوة (أطال الله عمرهم) د. وميض نظمي، ودريد سعيد ثابت، وحسين مجلي، وسليم الزعبي، ود. عصام نعمان، ومعن بشور)، وقّعت نداء من أجل قيام كونفدرالية سورية - عراقية -أردنية، رداً على الحصار المفروض على العراق.
في سطور قليلة لا يمكن أن نفي أحمد سويد حقّه، فهو يحتاج إلى صفحات تتناول الجوانب المتعددة من حياة رجل ملأت عقود عمره الثمانية في العطاء في غير مجال، لكن نجد في هذه الكلمات ما يخفف عنا، وعائلته الكريمة، عن رفيقة عمره وأولاده واشقائه واصدقائه الكثر قليلاً من وقع خسارة لا تعوّض.

* الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي.