قضايا و آراء
تشبع بيئة البحرين
تاريخ النشر : الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٢
إذا ذهبتَ يوما ما إلى العاصمة البريطانية، لندن، واستأجرت سيارة خاصة للتجوال والسياحة في وسط المدينة، فستواجهك مشكلة كبيرة تُجبرك على إرجاع السيارة فورا، واستعمال النقل العام وسيارات الأجرة بدلا من سيارتك الخاصة.
وهذه المشكلة تتمثل في الأزمة الخانقة التي تعانيها لندن، ويقاسي منها كل ساكن، أو زائر لهذه المدينة العريقة، من حيث الازدحام المروري من جهة، وعدم وجود مواقف للسيارات من جهةٍ أخرى. فقد تجاوزت لندن حالة التشبع بالنسبة إلى هذه الأمور، فبلغت الآن حالة ما فوق التشبع، ولذلك فهي لا تتحمل المزيد من السيارات في وسط المدينة، ولا تستوعب سيارات جديدة تَجُول في طرقها، ولا تتمكن من علاج المشكلة بإنشاء وتوسعة الطرق الحالية، إذا لا توجد أراض للقيام بذلك، كأنما أصبح وسط المدينة منطقة مُشَبعة ومغلقة، ولا يمكن قيام أنشطة تنموية جديدة فيها.
ومن أجل ذلك قامت لندن باتخاذ إجراءات صارمة وحازمة للتخفيف من آثار التشبع المروري والمردودات البيئية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي تنجم عنها، ومنها إجراءات اقتصادية كضريبة الازدحام، بحيث يدفع سائق السيارة مبلغا كبيرا نسبيا إذا أراد الدخول في وسط لندن.
وفي البحرين بدأت مؤشرات الحالة اللندنية من التشبع المروري، والتشبع التنموي، تعادينا وتصل إلينا، فهناك خبرٌ بسيطٌ في حجمه، ولكنه كبير في مدلولاته، نشر مؤخرا في صحيفة «أخبار الخليج»، ويتلخص الخبر في قرار المجلس البلدي للمنامة رفض فتح المزيد من المحال التجارية في منطقة العدلية بالمنامة، أي غلق العدلية كمنطقة تجارية بسبب الازدحام المروري وعدم وجود مواقف للسيارات تتناسب مع حجم وأعداد المحال الموجودة حاليا، وهذه العدوى التي أصابت منطقة العدلية، تنكشف بكل وضوح حاليا في المنطقة الدبلوماسية، وستنتقل حتما إلى مناطق أخرى وستشمل كل البحرين إذا لم نفكر مليا وبجدية في هذه القضية الشائكة والمعقدة والمتشابكة.
فهذا المؤشر الواقعي، ومؤشرات أخرى كثيرة نعانيها يوميا تُحتم علينا طرح الأسئلة التالية لكي لا نفاجَأ بوقوع هذه الأزمة الكبيرة:
أولا: هل نستطيع أن نستمر في الأنشطة التنموية إلى ما لا نهاية؟
ثانيا: هل هناك طاقة وقدرة استيعابيتان للأنشطة التنموية في البحرين، بحيث نتوقف عندها؟
ثالثا: هل فكرنا من الآن في تقنين الأنشطة التنموية واختيار ما يتناسب منها مع الظروف الجغرافية للبحرين، من حيث صغر المساحة، وقلة الموارد والثروات الطبيعية المتعلقة بإنتاج الطاقة، والمياه، والغذاء؟
رابعا: هل خصصنا الموارد المالية الكافية لتغطية كُلَف بناء البنية التحتية الأساسية وتوفير الخدمات اللازمة لاستيعاب الأنشطة التنموية المتزايدة، والمتمثلة في النقاط التالية:
* بناء طرق جديدة، وتوسعة طرق أخرى.
* إنشاء محطات جديدة وتوسعة المحطات الحالية الخاصة بمعالجة مياه المجاري الصناعية وغير الصناعية.
* إنشاء محطات جديدة لتحلية المياه.
* إنشاء محطات جديدة لإنتاج الكهرباء وصيانة الإمدادات القديمة (اقرأ «تحقيق صحفي» في جريدة الوطن في 12 يوليو 2012 تحت عنوان: «مشروعات صناعية مهددة بالإغلاق وخسائر بالملايين والسبب الكهرباء»).
* تحديد وإنشاء المرافق المناسبة صحيا وبيئيا وتقنيا لإدارة المخلفات الصلبة الناجمة عن المنازل، والمستشفيات والمراكز الصحية، والشركات التجارية، والمصانع.
* إنشاء متنزهات ومرافق ترفيهية جديدة تستوعب الزيادة المطردة في الأنشطة التنموية وأعداد السكان.
* إنشاء مستشفيات عامة ومتخصصة تستوعب الزيادة السكانية.
* توفير المساحات والأراضي اللازمة لإنشاء كل المرافق المذكورة أعلاه؟
لذلك إذا أردنا ضمان استدامة الأنشطة التنموية وتجنب وقوع مردودات سلبية تنعكس على العملية التنموية برمتها، فعلينا إحداث التوازن بين قدرة واستيعاب جزيرتنا من حيث صغر المساحة وشح الموارد وارتفاع عدد السكان من جانب، وتوفير احتياجات هذه الأنشطة التنموية كافة قبل الشروع فيها وضمان وجود المستلزمات الضرورية لها من جانبٍ آخر، وإذا لم نخطط لهذا، فإن التنمية ستتحول إلى نقمة بدلا من نعمة، وشر بدلا من خير.
hb.moc.ocletab@wptfcnb