يوميات سياسية
القانون الروسي والمنظمات المشبوهة
تاريخ النشر : الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٢
السيد زهره
يدور جدل واسع في روسيا هذه الأيام حول القانون الذي أقره البرلمان ووقعه قبل يومين الرئيس الروسي والمتعلق بالمنظمات التي تتلقى تمويلا من الخارج.
ولسنا بحاجة إلى القول إن هذه القضية تهمنا في الدول العربية، ويهمنا بالتالي متابعة هذا الجدل في روسيا ومعرفة أبعاده.
القانون الروسي الذي أثار هذا الجدل يتضمن باختصار جوانب ثلاثة, هي:
1 – أن المنظمات التي تمارس نشاطا سياسيا والتي يتم تمويلها من الخارج يجب أن تكتسب صفة «الوكيل الأجنبي»، وأن يعاد تسجيلها رسميا بهذه الصفة.
2 – أن تخضع هذه المنظمات لنظام قانوني جديد للمراقبة والمحاسبة.
3 – أن تقدم هذه المنظمات إلى السلطات المسئولة تقارير مرتين في الشهر عن أنشطتها.
بالطبع، كما كان متوقعا أثار القانون خلافا شديدا على الساحة الروسية ما بين معارضين ومؤيدين. وكل فريق لديه حججه.
المعارضون للقانون، وعلى رأسهم بالطبع العاملون في هذه المنظمات المعنية، يعتبرون أن تسمية المنظمات بـ«الوكيل الأجنبي»، يعتبر وصما لها بالعمالة للخارج، وأنها منظمات غير وطنية تتآمر في الخفاء على الشعب.
ويعتبر المعارضون للقانون أن الهدف الحقيقي منه هو التقييد على الحريات، وعلى أنشطة المنظمات المعارضة، والحيلولة بينها وبين الكشف عن تزوير الانتخابات مثلا أو التصدي لسياسات قمعية للنظام.
ويعتبر المعارضون إقرار القانون مؤشرا على حقبة جديدة من القمع وتقييد الحريات في روسيا.
بالمقابل، يعتبر المؤيدون للقانون أنه ليس قانونا فريدا ولا غريبا، إذ توجد في أمريكا والدول الأوروبية قوانين شبيهة.
ويعتبر المؤيدون أن هذه المنظمات المعنية هي منظمات تحيط بها شبهات كثيرة في مصادر تمويلها وفي الأنشطة التي تقوم بها، وان من حق الشعب أن يعرف وبدقة الحقائق كاملة عن تمويلها وعن أنشطتها.
كما يعتبرون أن المصلحة الوطنية تحتم أن تكون هناك ضوابط صارمة ومحاسبة دقيقة لهذه المنظمات وما تقوم به.
بعيدا عن هذا الجدل الدائر في روسيا حول القانون ما بين معارض ومؤيد، الحادث أن هذا القانون يتعامل مع مشكلة حقيقية في روسيا. بعبارة أخرى، القانون يتعامل مع ظاهرة خطيرة في روسيا، كما هي ظاهرة خطيرة في دولنا العربية ودول كثيرة في العالم.
نعني أننا إزاء ظاهرة منظمات تتلقى تمويلات من جهات أجنبية، وتمارس أنشطة سياسية في الداخل. ومن الوارد طبعا أن تكون هذه المنظمات مجرد أدوات لتنفيذ أجندات مشبوهة لهذه الجهات الأجنبية، وهي أجندات قد يكون هدفها التخريب أو إشاعة الفوضى، أو تهديد المصالح الوطنية بشكل عام.
والقانون حين يطلق على هذه المنظمات تسمية «الوكيل الأجنبي»، فهو في الحقيقة يسمي الأمور بمسمياتها. فهي بالفعل منظمات تعمل لحساب جهات أجنبية.
ولو افترضنا أن أيًّا من هذه المنظمات لا تفعل شيئا يهدد المصلحة الوطنية، وليس في أنشطتها ما يريب، فما الذي يضيرها في أن تخضع للرقابة والمحاسبة الحكومية الدقيقة؟
والحقيقة أن مجرد صدور هذا القانون هو في حد ذاته عامل ردع من شأنه أن يحد من هذه الظاهرة. وبالفعل، بمجرد صدور القانون، أعلنت بعض هذه المنظمات في روسيا أنها سوف تتوقف عن تلقي أي تمويل أجنبي. وهذا تطور جيد.
بطبيعة الحال، هذا القانون الروسي والجدل حوله، لا بد أن يثير الموقف من الظاهرة عندنا نحن في الدول العربية.
كما نعلم، ظاهرة هذه المنظمات والجهات التي تتلقى تمويلا اجنبيا، هي في دولنا العربية أكثر خطورة بكثير مما هو في روسيا. وقد سبق أن كتبنا الكثير من المقالات عن الظاهرة.
السؤال: على ضوء هذا القانون الروسي، كيف يجب أن نتعامل نحن مع الظاهرة؟
رأيي الذي سبق أنْ عبرت عنه، وما زلت أصر عليه، أنه في ظروف دولنا العربية الحالية، وبالنظر إلى حالة الفوضى والاضطراب التي يراد لها أن تعم دولنا والتي تخطط لها قوى وجهات أجنبية، فإن الموقف الوطني السليم هو منع هذا التمويل الأجنبي منعا نهائيا. أي أن دولنا يجب أن تحظر على أي منظمة أو أي جهة سواء كانت حزبا أو جمعية سياسية أو أيا كانت, تلقى أي تمويل من الخارج على الإطلاق.
لكن، وفي الحد الأدنى، من حق الناس في دولنا العربية أن تعرف بدقة وبالتفصيل حدود هذه الظاهرة بالضبط. من حقها أن تعرف، ما هي الجهات التي تتلقى تمويلا من الخارج؟.. وما هي الجهات التي تقدم الأموال؟.. وما هو حجم هذا التمويل؟.. وماذا تفعل هذه المنظمات والجهات بهذه الأموال بالضبط؟
لا بد من قوانين تلزم الدولة بإعلان هذه المعلومات بالكامل للرأي العام.
في الوقت نفسه، يجب أن يضمن القانون فرض رقابة صارمة على هذه التمويلات الخارجية، وعلى الجهات التي تتلقاها، ومحاسبتها بدقة متناهية على الأنشطة التي تقوم بها.
هذا هو الحد الأدنى المطلوب.