أخلاق مُنجية:
الـحَـنَـانُ يرقق القلب وينتج المجتمع الرحيم
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا
الحنان خُلق من الخُلق العظيم وصفة من صفات المؤمنين والأسوياء وهو الشفقة والرحمة والمحبة بين العباد، وهو فعل من افعال النفس السوية، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره هو المحبة، في شفقة وميل.
وقال الاصفهاني في مفردات الفاظ القرآن: الحنين: النزاع المتضمن للاشفاق يقال: حنت المرأة والناقة لولدها، وقد يكون ذلك في صوت. ولذلك يعبر بالحنين عن الصوت الدال على النزاع والشفقة أو متصور بصورته، وعلى ذلك حنين الجذع، وريح حنون، وقوس حنانة.
وقال: ولما كان الحنين متضمنا للاشفاق، والاشفاق لا ينفك من الرحمة عبر عن الرحمة به في نحو قوله تعالى: (وحنانا من لدنا) مريم (١٣) ومنه قيل الحنان المنان اشفاقا بعد اشفاق وتثنية كتثنية لبيك وسعديك (ويوم حنين) التوبة (٢٥) منسوب الى مكان معروف) انتهى.
والحنان من اسماء الله الحسنى، اي بمعنى الرحيم.
وقال ابن الاثير: الحنان: الرحيم بعباده.
وورد الحنان في القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتينه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) (مريم١٢ ؟ ١٥).
وورد في السنة النبوية المطهرة العديد من المواقف الانسانية التي تفيض بالحنان، فعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا (بستانا) لرجل من الانصار فاذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي (صلى الله عليه وسلم) فمسح ذِفراه، فسكت. فقال: (من رب هذا الجمل؟) لمن هذا الجمل؟
فجاء فتى من الانصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله اياها، فانه شكا لي انك تجيعه وتدئبه (اي تتعبه) رواه ابوداود واحمد وقال شاكر صحيح.
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما ؟ انه قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخطب الى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول، فحن الجذع، فأتاه فمسح يده عليه) رواه البخاري.
وعن ابي هريرة ؟ رضي الله عنه ؟ انه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نساء قريش، خير نساء ركبن الابل، أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده) رواه البخاري ومسلم.
وقال (صلى الله عليه وسلم): (اهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ،وضعيف متعفف ذو عيال) جزء من حديث رواه مسلم.
وعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فلما اطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت الى فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد إن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة او اعتقها بها من النار) رواه مسلم.
وعن عمر بن الخطاب ؟ رضي الله عنه ؟ قال: قدم على النبي (صلى الله عليه وسلم) سبي، فاذا امرأة من السبي تحلبُ ثديها تسقي إذا وجدت صبيا في السبي، اخذته فألصقته بطنها وأرضعته فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال الله ارحم بعباده من هذه بولدها) رواه البخاري.
وعن مالك بن الحويرث ؟ رضي الله عنه ؟ قال: أتينا النبي (صلى الله عليه وسلم) ونحن شبيبة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن انا اشتقنا اهلنا وسألنا عمن تركنا في اهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما فقال: ارجعوا الى اهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتوني أصلي واذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم، رواه البخاري ومسلم.
وعن ابي قتادة ؟ رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمامة بنت ابي العاص على عاتقه، فاذا ركع وضعها، واذا رفع رفعها) رواه البخاري ومسلم.
وعن عبدالله بن مسعود ؟ رضي الله عنه ؟ قال: نزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منزلا فانطلق انسان الى غيضة (الشجر الملتف) فأخرج منها بيض حُمّرة، فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورؤوس اصحابه، فقال (أيكم فجع هذه) فقال رجل من القوم أنا أصبت لها بيضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردده) رواه أحمد وقال أحمد شاكر اسناده صحيح.
وهكذا كان للحنان درجة عالية في حياة المسلمين وكان خلقا من الخلق العظيم حظي به الطفل والمرأة والرجل والحيوان والنبات والجماد، فالحنان ثمرة الرحمة التي يرزقها الله عز وجل من يشاء من عباده؟ وهو طريق موصل الى محبة الله سبحانه وتعالى ورضاه وجنته، وهو يؤلف القلوب ويجمع بين الاحبة واخلاق الانبياء والصحابة والتابعين والصالحين ويرقق القلب فجعله يرحم من هو دونه من الناس والبهائم والطير وغيرها.
وقد خلت مناهجنا التربوية من هذا الخلق العظيم فقست القلوب على القريب والبعيد وتقطعت الارحام وزاد الخصام فعلينا إن نتعلم كيف نحنو على الضعفاء والفقراء خاصة من ارحامنا وجيراننا والناس اجمعين لننال رضا رب العالمين كما نالت المراة بتمرة واحدة والحمد لله رب العالمين.
* المصدر: موسوعة نضرة النعيم في مكارم اخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (مرجع سابق - ج٥ ؟ ص ١٧٨٢).
.
مقالات أخرى...
- أثر الصيام في الفرد والمجتمع - (27 يوليو 2012)
- طريق الوصول إلى رفقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) (١ ) - (27 يوليو 2012)
- شهر رمضان ووحدة صف المجتمع - (27 يوليو 2012)
- من وحي الإسلام اليقظة الروحية تقلل من الأخطاء والآثام (٢) - (27 يوليو 2012)
- «ما مَلأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه» - (27 يوليو 2012)
- من مظاهر شهر رمضان توحيدُ المسلمين كلمتَهم - (27 يوليو 2012)
- الحسنة بعشرة أمثالها - (27 يوليو 2012)
- القصص القرآني.. تذكير بهداية وموعظة(٢) - (27 يوليو 2012)
- رمضان في جمهورية مصر العربية - (27 يوليو 2012)