الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

سير الزمن
وذكريات من الماضي طرائف وحكايات خفيفة ومضحكة

تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢



في بداية عام 1954 تقريبا اتفقت إدارة الصحة العامة مع إحدى الشركات الإنجليزية المختصة في مكافحة الفئران والقوارض وفعلا وصلت هذه الشركة وباشرت أعمالها وكانوا يقومون بإعداد نوعين من السموم الأول هو المعلب في أكياس الذي مازال يستعمل حتى اليوم ويوضع في مختلف الأماكن، كما أنه يوزع في أكياسه على البيوت أو الأفراد ولا أدري إذا كانت هذه العملية مازالت مستمرة، أما النوع الثاني فكان شبه سائل أو ما يشبه المعجون، وكان يوضع قرب أو داخل المجاري وفي الأسواق، وكذلك كانوا يضعون جزءا منه قرب سواحل البحر أعني المحلات التي فيها (بلوط) (تجمع مع الحصى الكبير)، أو ما يشبه ذلك هذا ما كانت تقوم به تلك الشركة، كما قامت في نفس الوقت بتدريب الموظفين.
وفي يوم من الأيام - ونحن مازلنا في سني الخمسينيات دخل علي - في مكتبي - رجل (شفج) وهو في حالة هيجان وغضب شديدين وقال: انتم اتكصون على الناس لأن السم اللي توزعونه يسمن الفيران ولا يقتلهم بل صاروا في حجم الأرانب وهم مازالوا يتراكضون ويتراكصون في بيتي واستمر «يتطنز» ويستهزئ بسخرية وانفعال، بصراحة أنا خفت أن أناقشه حتى لا تمتد يده على وجهي وخصوصا وهو في تلك الحالة من الغضب، لكني تمالكت نفسي بشوية شجاعة وسألته: حجي انت عرفت اشلون يستعمل هذا السم لقتل الفيران؟ فرد عليّ بكل استهزاء: لا ما عرفت، خبرني جيف أطير طيارة؟ وهنا أردت أن أخفف من حدة غضبه وثورته وقلت في نفسي لعل ما أقوله له الآن قد ينجح معه ويطفئ النار المشتعلة في مكتبي. قلت: حجي انت لازم تصيد الفار بيدك ثم تضع السم في حلجه (فمه)، هنا صرخ الرجل وقال لي وهو لم يدرك ما أعنيه من شدة انفعاله: ما حد خبرني بهذه الطريقة ثم خرج مسرعا بعد أن (صفك) باب مكتبي بقوة شديدة.
تعالوا نسمع نهاية القصة ؟ وما هي إلا دقائق معدودة حتى عاد ذلك الإنسان إلى مكتبي، وهو ذلك الرجل الثائر الغضبان، كان في حالة ضحك هستيري وقال لي عمي أنا فعلا غبي ومخبل اللي صدقتك بعد إذا صدت الفار بيدي اشليبي بالسم، ثم جلس وشرب الشاي، ومنذ تلك الحادثة وهذا الرجل يمر عليّ للسلام من وقت لآخر.
دخول الشواهين يتطلب شهادة صحية
في بداية الستينيات صدر عن دائرة الزراعة في البديع أمر إداري يطلب فيها ابراز شهادة صحية تفيد خلو طيور الشواهين من الأمراض بسبب انتشار بعض أمراض الطيور في إيران، الواقع أن العملية بأسرها كانت معقدة وغير دقيقة، ثم كيف يطلب من الناس ابراز الشهادة وهم لم يسمعوا أي شيء عن ذلك؟
لذلك طلبت دائرة الزراعة معونة دائرة الصحة في المطار، وفي يوم من الأيام وصلت جماعة من بيت أحد الشيوخ وطلبوا الإفراج عن الشواهين، فقال لهم موظف الصحة: يجب ابراز الشهادة، فردوا عليه باستغراب شهادة! تعني كل طير يدخل البحرين لازم معاه شهادة صحية بخلوه من المرض المنتشر؟ فرد عليهم بنعم (المسكين لم يعرف هو أيضا تفاصيل هذا المنع) هنا طلب كبير هذه الجماعة من موظف الصحة أن يرافقه ويتبعه حتى البلكونة التي تطل على المدرج والمسافرين وحركة الطيران... الخ، (ذلك كان مطار البحرين القديم).
ثم طلب الرجل من موظف الصحة أن يطل ويشاهد سماء البحرين ثم قال له: «شجوف يا الاخو؟ قال أشوف طيور، حمام، عصافير وهم يدخلون من كل صوب ويخرجون، فقال الرجل يه ليش ما اتيودونهم وتسألونهم عن الشهادة؟ ليش خليتوهم يدخلون؟ حجي عطني شواهين الشيخ.
فقال الموظف في نفسه هذا كلام منطقي، يبه خذ اطيورك ومنذ ذلك الوقت لم تنجح هذه العملية أو ربما استغرقت فترة قصيرة جدا.