الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الاسلامي

من مظاهر شهر رمضان توحيدُ المسلمين كلمتَهم

تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢



إن مظاهر تكريم الله ـ تعالى ـ لشهر رمضان كثيرة جداً، فهو الشهر الوحيد الذي صرح باسمه في القرآن الكريم، وهو الشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه في ذكر أكثر نعمه على عباده، وهي كتابه الذي أخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم، هذا الكتاب الذي فك الله تعالى به عن العقل الإنساني أغلال التقليد والجمود، ودفع به إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وحرضه على اقتحام الحجب، واكتناه الأسرار كي ينتفع الناس بما سخره الله لهم في هذه الحياة، ويشعروا بسلطان العزة الفكرية التي كرم الله بها الإنسان.
(وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ × وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ( (الذاريات: 20-21) .
إن صوم رمضان عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن الكريم في تربية العقول والأرواح وتنظيم الحياة.
ويرى كثير من الناس أن الصوم هو: الإمساك عن الطعام والشراب والشهوات في فترة زمنية محددة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويظنون أنهم إذا فعلوا ذلك فقد أدوا به الواجب وخرجوا به من العهدة، مع أن الصيام مع مظهره المادي الذي يبدو في هذا الإمساك هو عبادة روحية لها آثارها المعنوية، فيضم إلى هذا الإمساك صوم الجوارح: صوم اليد والرجل واللسان والأذن والعين عن ارتكاب الآثام وتناول المحرمات، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شتمه فليقل: إني صائم). ]رواه أحمد في مسنده[.
وقد صامت امرأتان على عهد رسول صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تهلكا، فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنانه في الإفطار، فأرسل إليهما قدحاً وقال صلى الله عليه وسلم قل لهما قيئا فيه ما أكلتما، فقاءت إحداهما نصفه دماً ولحماً غليظاً، وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه، فعجب الناس من ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما، قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تغتابان الناس، فهذا ما أكلتاه من لحومهم.
ويضم إلى ذلك أيضاً صوم القلوب، وتطهيرها عن كل ما لا يناسب الإيمان ولا يلائم الإخلاص، مثل التفكير في الخطايا وتدبير الفتن والتوجه إلى غير الله بالقصد والرجاء، والحسد، والحقد، وترك المعروف والسكوت عن المنكر، والتهاون في رد المظالم ... إلخ. وقد روى جابر عن أنس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمس يفطرن الصائم : الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة). وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش).
ولهذه الآثار العظيمة المترتبة على أداء الصوم بمظهره المادي والروحي والمعنوي، الذي يربي النفوس، ويقوي القلوب، ويقرب العبد من الإله الخالق الصمد، نسبه ـ جل شأنه ـ من بين سائر العبادات إلى نفسه، فجاء في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). ويفخر بعبده الذي يقوم بعبادة الصوم على وجهها الصحيح إيماناً واحتساباً فيقول: (يذر طعامه وشرابه وشهوته من أجلي).
فجدير بالمسلمين أن يستقبلوا رمضان بالبشر والترحاب، وأن تتفتح له قلوبهم وتصغي إليه أفئدتهم، وأن يفقهوا إيحاءاته، وأن يعملوا بمقتضى عبادته المادية والروحية والمعنوية عسى أن يستقيم لهم الحال، وأن تتوحد كلمتهم مثلما تتوحد فيه مظاهرهم في بدء وقت الصيام، وفي بدء وقت الإفطار، وأن يستردوا عزتهم المفقودة وكرامتهم المسلوبة .