الاسلامي
«ما مَلأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه»
تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
لو نظرنا إلى هذا التوجيه النبوي الكريم الذي يحوي بين طياته دررا علاجية بدون الم أو تعب، وبدون الحاجة للذهاب إلى مستشفى لطلب العلاج، فما أحوجنا إلى تذكر ذلك الحديث للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عن الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدي كَرِبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَلأ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنِهِ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لطَعَامٌه، وَثُلُثٌ لشَرَابٌه، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» فكلامه دواء واتباعه شفاء.
ونحن نستقبل شهر رمضان الكريم الذي أمرنا الله فيه بالامتناع عن الحلال من طيب الطعام والشراب من طلوع الشمس إلى غروبها، فلو تأملنا قليلا لوجدنا اننا نطيع الله بالصوم ونحن مأمورون بأن نترك الحلال من الطعام، وهذا شيء مهم، لأن الله سبحانه لا يريد أن يعاقبنا بالجوع أثناء الصيام، بل يريد أن يذكرنا بأمر مهم، وهو أننا نترك الحلال فيكون بذلك ترك ما حرم الله أولى، فترك الغيبة والنميمة والقيل والقال، والمشاحنة والبغضاء، وإيذاء الناس باللسان وباليد، وترك كل أمر فيه معصية لله هو المقصود، وليس المقصود هو ترك الحلال من أجل الوقوع في الحرام، هذا ما نرجوه جميعا، ونرجو من الله ان يعيننا عليه، لأننا نعيش في دنيا الناس، ونتعامل مع بعضنا بعضا، وهنا نكون جميعا تحت الاختبار، فمن أعانه الله على تحمل الناس، فقد نال الخير الكثير، كلنا يحب أن يكون ذلك الخير، ولكن ماذا نفعل إذا وقعنا في المحظور؟ علينا أن نسرع بالتوبة إلى الله، وإذا كان الأمر يتعلق بالناس، فيجب ان نعفو، فهذا كفيل بالعبور إلى بر الأمان مع الناس، فننال العفو من الله.
ثم أعود إلى ما بدأت به المقال، فقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يرسم لنا طريقا واضحا لكي نسلم، ونعيش أصحاء، كلنا يحب الطعام، ونحب الأطيب منه، وكم من مرة أكلنا وشبعنا، ولم نتوقف عند ذلك، بل أضفنا طعاما اخر، وفاكهة ومشروبات، وليس هناك مانع من إضافة بعض الحلو إلى المعدة، فيتم حشر الطعام والشراب في المعدة، ثم تبدأ المعاناة في عملية الهضم، ثم تحدث التقلصات، وربما يزداد الأمر سوءا فيخرج الأكل مرة ثانية، فهل نعقل الأمر ونتبع ما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم به، فنقلل الطعام في المعدة، وخاصة في شهر رمضان الكريم؟ فلنحذر من ذلك الأمر، أذكر نفسي قبلكم، لأننا جميعا معرضون للنسيان، وننتبه إلى عدم قذف الطعام في المعدة قذفا، فلنقلل من الطعام، وليس ذلك فحسب، بل يجب أن نستمع إلى ما قاله الرسول لنا اذا جعنا، ونحن سنجوع لأننا في صوم، يقول صلى الله عليه وسلم: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع»، ما أجمل كلامك الطيب يا رسول الله! يا من أرسلك الله رحمة للعالمين، فهل نعقل ما يقوله الرسول لنا؟
الأمر صعب ولكن يجب أن نحاول، ويجب أن نكبح جماح النفس، لأنها تميل دائما إلى الإفراط في كل شيء، إلا من رحم ربي.
ثم ننتقل إلى الجزء الأخير من الحديث الذي ذكرناه في بداية المقال، والذي يضع لنا فيه خطة متوازنة بين الأكل والشرب والنفس، فقال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لطَعَامٌه، وَثُلُثٌ لشَرَابٌه، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»، كلام الرسول واضح جلي، لا يحتاج منا إلى كلام كثير، تقبل الله صومنا جميعا، وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.