الاسلامي
من وحي الإسلام
اليقظة الروحية تقلل من الأخطاء والآثام (2)
تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
كتبنا في الحلقة السابقة ان التقوى محلها القلب والعمل يكون ذا قيمة لأن النية هنا مصاحبة للعمل، وفي هذه الحلقة نكتب عن التوبة بأنها لا تحتاج إلى اعتراف ضمني كما في المسيحية ولا إلى راهب متحذلق في كنيسة أو في معبد أو صومعة نائية وإنما التوبة في الإسلام هي أصلا يقظة النفس من غفوتها.
عن علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي، إن الله تعالى خلق المعروف، وخلق له أهلا فيحببه إليهم. وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه، كما وجه الماء في الأرض الجدبة لتحيا به، ويحيا أهلها. ان أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» (منهاج الصالحين).
وعن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم» (رواه الترمذي ـ حديث حسن).
عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من اخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليما، ولسانه صادقا، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة، وجعل اذنه مستمعة، وعينه ناظرة، وقلبه واعيا» (منهاج الصالحين).
* لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل:
كثيرا ما يفتح الإسلام باب الأمل والرجاء على مصراعيه، ويدعو العصاة والخطائين إلى رحاب التوبة والاستغفار، ويطمئن القانطين المسرفين على أنفسهم ان رحمة الله وسعت كل شيء، وان غفرانه عز وجل سبق عقابه للمؤمنين التائبين الذين يطلبون بنية صادقة الصفح والعفو.. كما ان سبحانه وتعالى يغفر لهم ما دعوه ورجوه مهما عظم وكبر الإثم وازدادت الخطايا.
التوبة اذًا لا تحتاج إلى اعتراف ضمني كما في المسيحية، وإنما التوبة في الاسلام أصلا يقظة النفس من غفوتها، وشعور الإنسان بالانحراف أو الخطأ الذي ارتكبه في حق الله تبارك وتعالى، أو الناس أو نفسه أو أهله، ومحاولة العودة الجادة إلى المنهج الإلهي السوي، واتباع احكامه بيقين وثبات، وهي أن يتعظ الضمير، وتفطن البشرية إلى ما يجب ان تكون عليه، وتحاول اصلاح ذاتها من الخطأ الذي وقعت فيه، يكون ذلك بحق توبة يفرح الله تعالى بها فيغفر الذنوب من اجلها وهو الغني عن العالمين، قال تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم» (سورة الزمر الآية 53).
* إن اليقظة الروحية تقلل من أخطاء الفرد:
والواقع ان البارئ تعالى لم يخلق الانسان ملكا مطهرا ولا بشرا معصوما كالأنبياء وإنما تتنازعه قوى الخير والشر، وتتناهبه عناصر القوة والضعف، وتتغلب عليه طبيعته الروحية فيسمو ويرتفع، واحيانا اخرى تتغلب عليه شهوات الجسد فيخلد إلى الأرض، فيرد مورد الهلاك أو يقع إلى أسفل السافلين.
وهذا على سبيل المثال سيدنا آدم عليه السلام ـ أبو البشر ـ كلفه الله تعالى أن يفر إليه كلما فر منه، وان يتطهر من الدنس كلما تورط في الإثم، وسيدنا آدم عليه السلام هو القدوة والمثل الأعلى لنا، قال تعالى في حقه: «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم» (سورة البقرة الآية 37).
عن الصحابي الجليل أبي موسى عبدالله بن قيس الاشعري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ان الله تعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (رواه مسلم)، وبسط اليد كناية عن الترحاب بالعبد والقبول، واما طلوع الشمس من مغربها فيعني حتى تقوم القيامة.
وبهذا الإيمان المعلن والاحساس الإيماني واليقظة الروحية من الفرد تقل الاخطاء، وتنزاح الآثام، وينجلي الانحراف الذاتي فيعود للضمير الانساني قوته وصحوته، وللقلب سلامته، وللعقل استقامته، وللخلق الكريم مكانته، فتنتصر بلا شك قوى الروح على نوازع المادة في النفس البشرية.
إن الله يدرك بادئ ذي بدء طبيعة الضعف الإنساني، فلم يكلف الانسان بما لا طاقة له به.. وان كل نفس تعمل على قدر طاقتها وقدرتها على العطاء، على اعتبار ان الطاقات الانسانية محدودة فلها ان تقدم على ما تطيق، وتحجم عن القيام بأي عمل عندما تراه فوق طاقتها.. قال تعالى: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت» (سورة البقرة: الآية 28).