الاسلامي
شهر رمضان ووحدة صف المجتمع
تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
بحسن الخلق يدرك المؤمن درجة الصائم القائم، ففي الحديث: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار»، فما يكون عليه الحال لو جمع للمسلم في رمضان إلى جانب الصيام والقيام حسن الخلق؟
ولقد كان من ثناء الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) من قبل ربه ومولاه: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم:4)، وما كان خلقه إلا القرآن، فقد سأل هشام بن حكيم عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: «كان خلقه القرآن».
وما كانت سيرته إلا تطبيقا عمليا لحسن الخلق مع القريب والبعيد والصغير والكبير، بل حتى مع الجماد والحيوان، حتى بلغ به الأمر أنه كان يواسي في موت عصفور صغير كان يلهو به أخو أنس، فكان يقول له: «يا أبا عمير، ما فعل النقير؟» وقد علمنا صلوات الله عليه أن جماع حسن الخلق أن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك، ومن ذلك حين تقول لمن أساء إليك وأنت صائم: «اللهم إني صائم».
وإنه بحسن الخلق تنال محبة الله ومحبة رسوله، وترتفع منزلة العبد على ما أفاده قوله (صلى الله عليه وسلم): «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء».
وقوله: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة احاسنكم أخلاقا». (صحيح سنن أبي داود). وإذا كان رب العزة سبحانه قد جعل رمضان فرصة سانحة لأن يغير المؤمن عاداته الرتيبة وتقاليده التي ألفها، فحري به أن يجعله مضمارا لتحسين خلقه فيجتهد في أن يخلص ويصدق ويجود وينفق، ويدعو ربه بالهدى والتقى والعفاف والغنى، ويكون أمينا برا وفيا، متواضعا مباركا نقيا، فيحقق بذلك لنفسه رضا ربه ومحبة نبيه والقرب منه وهو مبتغى العبد في رمضان، كما أنه بجميل خلقه تؤتي دعوته للإسلام وبالإسلام أكلها، ففي صحيح الجامع يقول (صلى الله عليه وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وفي الصحيحين يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «لما بلغ أباذر مبعث النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق».
إن ما أذن به وفيه الشارع الحكيم من إخراج ما يسمى صدقة الفطر عن كل فرد في الامة (طهرة للصائم وطعمة للمساكين)، ومن جعل وجوبها على من يملك فقط قوت يومه فيعطيها- من ثم ؟ الفقير لمن كان على شاكلته ويلقاه وقد حمل كل منهما زكاته لصاحبه، لهو كفيل بأن يقي المجتمع كله من براثن ما فعله الشح بمن كان قبلنا، وكفيل كذلك برفع أسباب هذا الهلاك المحقق، وينزع هذه الأمراض الخبيثة التي كان من الممكن أن تفتك بمجتمع الإيمان-على نحو ما فتكت ولاتزال تفتك بغيره من مجتمعات السوء والكفر- لو لم تشرع لهذه الأمة مثل هذه الزكوات ويهدي الله قلوب أهل الإسلام إليها.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): «من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء».
كما يدركه من يقارن بين المجتمع الإسلامي وغيره ويستقرئ كم الجرائم التي تحدث فيما يعرف بالمجتمعات المتقدمة. وإن أمة اجتمعت لها كل أسباب الرقي الإنساني على النحو السالف الذكر لهي جديرة بأن تتبوأ مكانتها من السعادة والهناء، فتنعم بنعم الله، ولا تقابلها إلا بالمزيد من طاعته والشكر له والإيمان به والثناء عليه، فهذا هو رمضان أعظم نعمة على هذه الأمة، فهو شهر معالجة أدواء النفوس وجمع القلوب ووحدة الصف وصون الجوارح وهجران المعاصي ولزوم الطاعات، فأي نعمة تلك التي تعمنا في هذا الشهر الفضيل، وما بعده تسمو بنا إلى هذا المستوى من الترقي في مدارج السالكين في الآخرة وسلم السابقين في الاخذ بأسباب اللذة والنعيم في الدنيا؟