بريد القراء
رسالة سرية إلى صديقي
تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢
كلمات من القلب أكتبها إليك صديقي ورأيت أن العتاب بين الأحباب يزيد المودة، ويعم الألفة، ويزيل الوحشة من القلوب، صديقي: يا من تظن نفسك مستوراً، لقد حدثوني عنك، وأرجو أن يكون ما بلغني عنك غير حق، أصحيح أنك ترى الخاشعين والباكين والراكعين والساجدين، وأهل الطواف وأهل الاعتكاف والصيام، ثم تنظر في قلبك وتتحسس في وجدانك، فلا تجده إلا قاسيا غليظا كما عُهد؟ أيصح عنك أنك أصبحت اليوم صاحب أسفار ومغامراتٍ ومقامرات؟ أما هجس في قلبك يوماً أن تسقط الطائرة وأنت فيها؟ أو تنقلب السيارة وأنت داخلها؟ أو أن يؤذيك الصداع فيصارحك الطبيب بأنها بداية جلطة في المخ أو في القلب؟
صديقي: حدثوني أنك والغ في المعصية، حتى صارت الشهوة جزءاً من حياتك وشخصيتك وتكوينك، وأنه لو عرف الناس حقيقة أمرك لاجتنبوك وباعدوك، وهجروك وقلوك، وأنك قد أفلحت في تزيين ظاهرك بعض التزيين أما باطنك فتركته تلعب فيه المعاصي والآثام.
صديقي: أصحيح ما بلغني عنك، أن المعصية تخايلك حتى وأنت واقف بين يدي الله تعالى في صلاتك؟ فذهنك شريد، وعقلك بعيد، كلما بحثت عن ذهنك وجدته على شفير زلة، أو على مشارف هاوية، صديقي: أصحيح أن المرأة أصبحت صورةً دائمة بين ناظريك، وصوتاً هامساً يرن في أذنيك، ورسماً مطبوعاً في خيالك لا يفارقك؟
وإذا صدق الوشاة الذين حدثوني، فأنت تعدُّ ساعات النهار عدَّا، ليقبل عليك الليل وتعمل ما يمليه عليك الهوى.
إذاً، لقد أصبحت الشهوة إدماناً يجري في دمك، ويتخلل في عروقك، ويأكل معك ويشرب، وينام على فراشك ويستيقظ، صديقي: أوحقا أنك لا تدع امرأةً تمر بك إلا حدقت فيها بنظرك، وأمعنت فيها ببصرك، حتى يتوارى عنك سوادها ويغرب عنك خيالها، ثم تتبع ذلك بالحسرات والزفرات؟
صديقي: إنني أذكر أننا التقينا يوماً من الأيام، فحدثتني أنت عن نفسك، عما تعانيه من الكرب، والهم والغم والألم، ولو صدقتك لقلت لك: هذه ثمرات الذنوب، أفلا تتوب صديقي؟ وأذكر أنني نصحتك يومها بالرجوع إلى كتب أهل العلم، وقراءة ذلك الكتاب النفيس الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام الفذ ابن قيم الجوزية، فاعتذرت إلي بكثرة الشواغل والصوارف والعوائق، وأنا أرى أن هذه المشاغل ما صرفتك عن لذاتك وشهواتك، ولا منعتك من أسفارك وأعمالك، ولا حالت بينك وبين من تحب وتعشق، ولكنك اثَّاقلت إلى الأرض، ورضيت بالحياة الدنيا عن الآخرة، وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
صديقي: لعلي أكون مصيباً عندما أكذب خبر الذين حدثوني أنك تعاقر الخمر، وتتعاطى الدخان، وربما تهم بالمخدرات، وقد تركها العقلاء حتى في الجاهلية، وابتعدوا عنها، إذ كيف يشرب الإنسانُ ما يزيل عقله ويذهب بلبه، ويجعله في جملة المجانين والصبيان؟ صديقي: ألا ترى ان علاقتك بزوجك ساءت وبدرجة لا تسر، فهي ليست لك كما تحب، وليست لك كما كانت بعد الزواج.
صديقي: ها أنت ترى أن كثيراً من أمورك تعسرت، فأنت لا تطرق باباً إلا وجدته موصداً في وجهك، ولا أريد أن أضع النقاط على الحروف، ولكن الخبر وتفصيله عندك، كيف وجدت نفسك يوم أن كنت تدرس، وقد أوصدت في وجهك الأبواب، ثم في الوظيفة، ثم في التجارة، ثم في المعاملات الكثيرة التي كنت تديرها مع الناس.
صديقي: هذا ما عندي لك، وإني – والله - أدعو الله تعالى في سجودي أن يرحمك برحمته، ويخرجك من هذه الورطات والهلكات، التي لا مخلص منها إلا بحول الله تعالى وتوفيقه، فأعن إخوانك على نفسك بكثرة السجود، والتوبة النصوح، واعلم انه مهما بلغت ذنوبك فان رحمة الله اوسع من كل ذنب.
أديب البشير