الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٥ - السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٩ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الاسلامي

وجوب تعظيم القرآن في شهر القرآن





إن من فضائل رمضان ومزاياه أن الله عز وجل جعله مستودعًا لنزول القرآن العظيم، قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ » ]البقرة:١٨٥[، وقال تعالى: « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » ]القدر: ١ - ٣[.

قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ» ]فاطر:٢٩[، وتلاوة القرآن على نوعين: تلاوة حكمية، وهي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه وفعل أوامره واجتناب نواهيه.

والنوع الثاني: تلاوة لفظية وهي قراءته، وقد جاءت النصوص في فضلها كثيرة، وهذا من النصيحة لكتاب الله عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وقال النووي رحمه الله: «قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى؛ هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذبّ عنه تأويل المحرفين، وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتناء بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم بمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته».

والقرآن هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم، من عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، لا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تزيغ به الأهواء، ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.

والقرآن هو كلام الله تعالى أنزله على رسوله وتعبّدنا بتلاوته، وجعل الخيرية في تعلمه وتعليمه، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

وينبغي لكل مسلم في هذا الشهر المبارك أن يُقبل على مائدة القرآن، وأن يُكثر من تلاوته، فإن للتلاوة فيه مزية خاصة، وذلك لشرف الزمان، فقد كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل سنةٍ مرة، فلما كان العام الذي تُوفي فيه عرضه مرتين. ]رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له[.

وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وفي غيرها، وكان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم، وأقبل على قراءة القرآن من المصحف.

وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليالٍ دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة، وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم في رمضان في كل ثلاث ليالٍ، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين، وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر، وقال الحميدي: كان الشافعي يختم كل يوم ختمة، وعن أبي حنيفة نحوه.

قال ابن رجب رحمه الله: «وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، وخصوصا في الليالي التي يُطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم». ]لطائف المعارف: ١٩١، ١٩٢[.

وقد أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد منه حرفًا مما أُجمع عليه أو زاد حرفًا لم يقرأ به أحدٌ وهو عالم بذلك فهو كافر، وعلى المسلمين أن يسعوا في تحكيم كتاب ربهم في حياتهم الخاصة والعامة، في سياستهم واقتصادهم واجتماعهم، وأخلاقهم، وحربهم وسلمهم، وأن ننتهز فرصة الشهر المبارك في إقامة حدوده وحروفه، فنُحِلّ حلاله، ونُحرِّم حرامه، ونقف عند محكمه، ونؤمن بمتشابهه، ونتلوه حق تلاوته، فالقرآن لم يُنزل لعمل الأحجبة ولا ليقرأ على الموتى، ولكن « لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ » ]يس:٧٠















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة