أخبار البحرين
الدكتور عبدالرحمن الفاضل يحذر:
الخطر المنظور في الأفق القريب وليس البعيد
تاريخ النشر : السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢
قال الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس:
يقول تعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى لناس وبينات من الهدى والفرقان».
لشرف هذا الشهر المبارك، ولمقامه الكريم، ومنزلته العظيمة العالية؛ أكرمنا الله تعالى بنزول القرآن الكريم كله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم أنزل منجماً على المصطفى- صلى الله عليه وسلم- رحمة بنا، لتستنير الأمة بهديه، ولتستقيم على طريقه ومنهجه: «إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقومُ ويبشرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجراً كبيراً» فلا سبيل لهداية الأمة سواه؛ فيه أصل وحدتها، ومكمن عزها وانتصارها، وفي مخالفته مهوى ذلها وانهزامها. فالقرآن الكريم ركن قوتها الشديد، وملاذها الهادي الرشيد؛ فبنزوله كانت الهداية والتربية والايمان؛ من بعد أن كان الناس في تيه وحرمان؛ يعبدون الحجر والشجر والأوثان، يلفهم ظلام الجهل والضلال، وتلعب بعقولهم الخرافة والانحلال، يتبعون كل ناعق، ويسيرون خلف كل مارق وفاسق، حياة قاسية لا تطاق، يتسيدها الظلم والقهر والاستبداد. حتى نزل القرآن العظيم، وبُعث به سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم- فأخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، وجعل من هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، فهي الوسط بينهم، والشهيدة عليهم: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسولُ عليكم شهيداً».
ومما يؤسف له أن يتخلى المسلمون عن كتاب ربهم، ويركنوا جانبا معظم تعاليمه، ويتركوا كثيرا من أحكامه ؛ ويقدموا عليه تشريعات البشر ويفضلوها، ولم يعد بعدها في دساتيرهم المصدر الوحيد لتشريعاتهم، ولا المعول عليه لمنهج حياتهم، قد أخذوا ببعض تعاليمه في العبادات، وتركوا أنظمته في المعاملات، وأغفلوا أحكامه في الجرائم والحدود والعقوبات، ونسوا قوله تعالى في وعيده لمن سبقهم: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون» هذا هو حالنا اليوم مع القرآن العظيم الذي هجرناه حقيقة، ولم تعد أحكامه وقوانينه تهمنا، استعضنا عنها بقوانين وضعية مخالفة له كل المخالفة، فرضت علينا فرضا، فسلمنا لها واعتمدناها من دون أدنى مقاومة أو اعتراض؛ حتى أصبحت من المسلمات التي لا يمكن مناقشتها، ولا مراجعتها؛ فضلاً عن المطالبة برفضها!!؛ ذلك إن إسقاط تهمة التخلف، أو الرجعية ؛ بل إنّ جريمة الإرهاب العظمى اليوم هي التهمة التي يرمى بها كل من ينادي بتحكيم الشريعة بمفهومها الواسع الشامل، ومحتواها المنظم الكامل!؟
لقد أريد لهذه الأمة أن تُقطع صلتها بكتاب ربها، أريد لها أن تكون بعيدة عن روح هذا القرآن العظيم؛ فالمحاولات والمؤامرات لصرف الناس عنه أو تحريفه حثيثة وقديمة وما زالت؛ غير أن جميعها باءت بالفشل؛ ذلك أن هذا القرآن العظيم محفوظ بحفظ الله تعالى: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» إلا أنهم استطاعوا أن يصرفوه عن واقع المسلمين بخبثهم ومكرهم، وبغفلة المسلمين وتخاذلهم عن حماية كتاب ربهم؛ حتى آلت الأمور إلى هذه المآلات الكئيبة التي عليها الأمة اليوم؟! فهل أضعناه حقاً، فتخلفت تبعاً لذلك الأمة؟! نعم، تعطيل حكم واحد ضياع لجميعه؛ لأنه لا يمكن إلا أن يكون وحدة متكاملة لا ينتقص منه شيء؛ وإلا دخله التناقض، فأحكامه وتعاليمه ونظمه مرتبطة ارتباطا وثيقاً، لايمكن أخذ بعضها والإعراض عن بعضها الآخر. هكذا أراده الله تعالى، فمن بعضه فقد أعرض عنه، وجزاؤه كما قال تعالى: «ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى».
ونحن في شهر القرآن يلزمنا أن نعود الى القرآن الحكيم، نتسمد القوة منه، ونصنع التغيير من خلال تعاليمه ؛ التي هجرناها واقعاً في حياتنا كما أسلفنا. وهذا يضعنا في عين الخطر الواجب منه الحذر. ذلك أننا مسئولون مسؤولية كاملة عن حماية هذا الدين من عبث العابثين، وكيد المنافقين والحاقدين! نرى صورة الإسلام تشوه، وأحكامه تعطل، وتعاليمه تُقصى، وكأن الأمر لا يعنينا. نخشى على أرزاقنا ومعايشنا وجميع ما في دنيانا، ولا نخشى على ديننا الذي هو عصمة أمرنا، والذي من دونه تختل الموازين، فتشقى الحياة بناسها ؛ والواقع خير شاهد على ما نقول.
لذا نذكر بشدة وصراحة، بأننا لن نحمي أمتنا بعامة، وبلدنا هذا بخاصة!! من أعدائنا في الداخل أو الخارج، والذين يتربصون بنا الدوائر؛ إلا بعودة صادقة إلى القرآن الكريم، الذي يمثل الحصن المنيع الذي يحمينا، والقوة المعنوية المتينة للثبات في صد أي عدوان غادر من أعداء الأمة؛ والتي نعلم يقينا أنهم يتحينون الفرصة المناسبة للانقضاض علينا. فهل ننتظر حتى يفاجئنا البغاة، ونحن فاغروا الأفواه لا حول لنا ولا قوة ؟! الله تعالى يقول: «خذوا حذركم» عدوكم لن يرحمكم إن استطاع أن يمسك بزمام الأمور، لاقدر الله له ذلك! فلنأخذ كامل اليقظة، وشديد الحيطة، ولن يكون هذا إلا بوحدة حقيقية صادقة لا مآرب شخصية فيها، ولا مطامع ذاتية أنانية من ورائها؛ غير حماية الدين والذود عن حياض الوطن! إننا في عين الخطر. فهل نغض الطرف عن ذلك، ونتغافل عنه والله سبحانه وتعالى حذرنا في كتابه العزيز من خطر أعداء الاسلام من كل ملة ونحلة ومذهب: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»، «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا»، وغيرها من الآيات البينات المحذرة! فهل نعي خطورة من ذكروا من الأعداء ووقوفهم اليوم صفاً واحداً يساند ويظاهر بعضهم بعضاً؟! كفانا استخفاف بعقولنا؟ كفانا طيبة خرجت بنا إلى مهاوي الغفلة، وعماية البلاهة؟! حتى إنه بلغت بنا السذاجة أن نحسن بهم الظن مع أنهم أظهروا عداوتهم وصرحوا بعمالتهم وأنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم وعلى لسان كبرائهم مشعلي الفتنة مع هذا الإجرام كله ما زال البعض يدعو إلى اللحمة الوطنية والجلوس معهم إلى طاولة الحوار؟! عجبا لقومنا ألم يتعلموا الدرس القاسي جيدا، أم إنهم يتغافلون عنه لمصالح خاصة ومآرب أخرى لا نعلمها؟! وعلى هذا نؤكد أنه لا يجوز شرعا الرضوخ للحوار مع من ثبتت عمالته واتصاله بالعدو الخارجي. فمنْ مَدَ يَدَ المصالحة لمن يضمر الشر المؤكد، فقد خان الله ورسوله وأمته ووطنه؛ واستفتوا في ذلك علماء الأمة المعتبرين.
نقول: عودةً إلى القرآن الكريم؛ لننفض عنا غبار التمزق والتشرذم؛ فإنه إن لم يجمعنا القرآن الكريم اليوم ويوحد كلمتنا، فلن نجتمع على غيره أبداً، هذا هو قدرنا الذي لامناص منه، فالخطر المنظور في الأفق القريب وليس البعيد ينذر بأمر عظيم، وكارثة لا يعلم مداها إلا الله تعالى. ومن هنا فإننا نطالب بقوة، ونناشد بشدة في هذا الشهر المبارك حكام دول مجلس التعاون أن يأخذوا الموقف القوي العاجل ودونما إبطاء؛ في الدعوة إلى لم الشمل، ووحدة الكلمة، ورص الصف، من أجل حماية دولنا التي هي أمانة ومسئولية في رقابهم، وعلى عاتقهم تقع مسئولية نزع أي فتيل فتنة يدس ليشعل نار الفرقة، ويسعر شرارة الخلاف بين دولنا. ولنكن صرحاء مع حكامنا في دول مجلس التعاون بأن يبعدوا بطانة السوء المندسة، ومستشاري السوء، وأعوان السوء من المنافقين المستصلحين، من الذين لا يردون الخير لكم ولا لشعوبكم!! نقول لقادتنا في دول المجلس جميعاً، إن قوتكم تكمن في دينكم، في كتاب ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم في صادق تعاطيكم مع شعوبكم المحبة والمخلصة في النصح لكم؛ بهذا تنصروا، وتعزوا، وتمكنوا في حكم بلادكم وشعوبكم؟
ونحن نستنكر بشدة الأحداث الضارة بالوطن من العمليات الإرهابية التخريبية التي يخرب بها الوطن ويروع المواطنون؛ والتي نرى أنها لا تواجه من الدولة المواجهة الحازمة الحاسمة؛ مما جعلها تتمادى في شرها المتصاعد: ولعل يوم الأربعاء الماضي كان دليلا واضحاً على مدى الحقد والإجرام الذي تحمله تلك العصابات الضالة؛ التي ننصح الدولة والداخلية أن تضع بالإضافة إلى السور المشبك والذي قطعه المجرمون بيسر وسهولة ونفذوا من خلاله إلى الشارع القريب من منطقة عذاري واضرموا النيران في الإطارات، ورموا بكثافة كميات كبيرة من قنابل الزجاجات الحارقة بصورة غير طبيعية، عرضوا خلالها أرواح المواطنين للخطر الأكيد المحقق، لولا لطف الله تعالى وستره لحدث ما لا تحمد عقباه!... فهل ننتظر أن تقع كارثة للناس، ثم ينجو المجرمون بفعلتهم، وتضيع القضية بين التحقيق والتأجيل؟! اقترح على وزارة الداخلية أن تضع عند كل نخلة وعمود إنارة شرطياً مدججا بالسلاح المذخر لأنهم يحملون أسلحة قاتلة؟ ولأنه لا فاعلية لسيارات الأمن المتباعدة فرجال الأمن - حفظهم الله تعالى- غير قادرين على حماية الشارع بهذه الطريقة البدائية وأيديهم المجردة!.. لقد ضاق الناس ذرعاً، وفاض كيل الغضب؛ فإما أن تحسم الدولة أمرها وتخمد روؤس الفتنة التي تَعرف، وإما...! كما نقول: إنه لم يستفد من ذلك الشبك الممتد طوال الشارع، ولا من كاميرات المراقبة.