الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

هذا هو الإسلام
الإنسان الشاكر

تاريخ النشر : السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢



سورة الإنسان سورة جليلة القدر، عظيمة الشأن تحدثت عن الإنسان قبل أن يكون شيئا مذكورا، ثم تدرجت معه منذ أن كان نطفة ثم جنينا يتحرك في أحشاء أمه، ثم طفلا يحبو على الأرض، ثم إنسانا كاملا تصدر عنه الأفعال والأقوال.
وتكشف السورة العظيمة الوجه المشرق لهذا الإنسان والضمير الحي المتوقد الذي يألم لآلام الآخرين، ويهتم لهمومهم، ولا يكتفي بهذا بل يسعى بقدر طاقته ليخفف من معاناتهم، ويكشف الضر عنهم، ويسارع في غير توان إلى زرع البسمة على وجوههم وإدخال السرور إلى نفوسهم.
ثم تتحدث السورة الجليلة عن الجزاء الأوفى الذي سوف يحصده هذا الإنسان، وكيف شكر مولاه على نعمه الجليلة وعطاياه الكثيرة، فرد له الحق تبارك وتعالى الإحسان بأعظم منه، وملأ قلبه طمأنينة وفرحا وحبورا.
السورة العظيمة تبدأ حديثها عن الإنسان فيما قبل تكوينه، وذلك حين تتحدث عن شيء لم يكن مذكورا، فليس هو جنينا في عداد الأجنة وليس هو طفلا في عداد الأطفال، وليس هو شابا أو رجلا في عداد هذه الأعمار.
هو لم يكن شيئا مذكورا، ثم كان شيئا مذكورا، بل صار علامة مضيئة على عظمة الإنسان حين يؤمن ويعمل عملا صالحا، ويكون كل ذلك خالصا لوجه الله تعالى.
قال سبحانه: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا» الإنسان الآية .1
يا له من استهلال عظيم جليل! قبل أن يلتقي الزوج وزوجه في علاقة شرعية مباركة أين كان هذا الإنسان؟ انه في علم الغيب، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكنه بالنسبة إلى الزوجين لم يكن شيئا مذكورا بعد.
ثم تتحدث السورة المباركة عن البداية المباركة للإنسان بقولها: «إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا» الآية .2
كيف تحول هذا الإنسان من أمنية تداعب أحلام والديه إلى جنين من بذرة قذفها الزوج في رحم زوجه، فقدر لها الحق تبارك وتعالى الحياة وأنشأها من نطفة لا تكاد ترى إلى إنسان له سمع وبصر يدرك بهما المسموعات والمبصرات، ويتعرف من خلالهما على ما حوله من الكون الواسع المترامي الأطراف؟
ثم تستمر السورة الجليلة في بيان التحولات العظيمة في حياة الإنسان بقولها: «إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا» الآية .3
هذا الإنسان جاء إلى هذه الحياة وهو حر الإرادة ويحمل بين جنبيه القابلية لأن يكون شاكرا أو أن يكون كفورا، وسوف يحاسب يوم القيامة على اختياراته الحرة.
والهداية التي تتحدث عنها السورة هي بمعنى الدلالة وتوضيح السبيل، ثم بعد ذلك يأتي اختيار الإنسان لأي السبل يسلك، فإن اختار أن يكون شاكرا لأنعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى ووظفها فيما يعود على مجتمعه بالخير فإن الله تعالى سوف يعينه على بلوغ الغاية التي اختار، وأما إذا اختار أن يكون كفورا بهذه النعم، وينكر فضل المنعم سبحانه عليه، فإنه سوف يكون من الخاسرين النادمين، ثم تبين السورة المباركة جزاء الكافرين ليحذر من مغبة أن يكون الإنسان منهم، فتقول السورة: «إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا» الآية .4
هذه صورة مروعة لمصير مروع سوف يتعرض له الإنسان الذي نسي نعم الله تعالى الكثيرة منذ أن كان شيئا غير مذكور ثم أصبح إنسانا كاملا قادرا مريدا.