الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق

الإخوانُ المصريون من الآيديولوجيا للحكم (1-2)

تاريخ النشر : السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



الفئاتُ الوسطى الصغيرة كالأطباء والمهندسين التي مثلتْ لعقودٍ بُنية الإخوان المسلمين التنظيمية تحركتْ من آيديولوجيا استعادة الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة، فتغدو بذلك مثل الشيوعيين والاشتراكيين والقوميين المنطلقين من قالب خارجي لفرضهِ على الواقع، وهؤلاء البرجوازيون الصغار يختلفون عن أهل القمة وعن أهل الحضيض معاً ويتذبذبون رافضين الديمقراطية الغربية الإنسانية.
القالب الآيديولوجي هنا هو الصيغُ المحفوظةُ لديهم عن الإسلام، وهي كتلةٌ كبيرةٌ ضخمة من المواد الفكرية الاجتماعية يمكن أن تخضع لتأويلات عديدة، ويمكن أن تغدو صيغة آيديولوجية محددة صارمة.
أساس الصيغةُ هي وضع العصر الحديث في الماضي، وإعادتَهُ للنصوص، وجعله يمشي عليها، وهذه صيغةٌ شمولية استبدادية، مبهمة، لكنها تنمو بالتجريب، والتجريب هو حياة الناس وظروفهم ومعيشتهم.
هم مثل الشيوعيين والقوميين برجوازيون صغار ينشدون التغييرَ الرأسمالي بشكلٍ تجريبي ديني، ويريدون أن يكونوا جزءًا من الطبقة البرجوازية المتجهة للسيادة مستقبلاً، وتحدث بينهم عملياتُ تذبذب شديدة حسب الأوضاع والضغوط والمكاسب والتحولات. أساسُ عملِهم هو النصُ الديني مُؤدلجاً لمصلحتِهم، وهو بين حدين، حدّ الوقوفِ الكلي عند حذافيرِ النصِ وهو ما يمثل شمولية شديدة لأنها تؤكد تميزهم وتقوقعهم السياسي عن الآخرين، وحد المرونة في النص وهو ما يمثل مقاربةً مع الليبرالية دون الخروج النقدي على النص وقراءته تاريخياً، ودون التماهي مع الحداثةِ العلمانية والديمقراطية ذات الأسس الغربية الكونية.
في حالاتِ الضغطِ الشديدة تتوجهُ البرجوازية الصغيرة للحدة والتطرف كحالةِ سيد قطب، عبر إنشاءِ دولةٍ كلية، وفي حالات النمو الليبرالي المالي تتسعُ الرؤيةُ لتؤيدَ مقاربةً مع ديمقراطية مرسومة على خريطةٍ تقليدية وخاضعة لظروفِ واحتمالاتِ كلِ بنيةٍ عربية.
لهذا تختفي ملامحُ العصور لديهم، وتتباينُ التشكيلات التاريخية، فالنصُ الذي أدلجوهُ سياسياً هو كائنٌ فكري من العصر الوسيط، وفي لحظاتٍ خاصةٍ من تطور القبائل العربية، وعبّرَ عن علاقاتٍ إقطاعية مسيطرة، لكنهم ينقلونه للعصر الحديث الرأسمالي، عبرَ فرضِ صيغتهِ على مجتمعاتٍ هجينة تنتقلُ من الإقطاع إلى الرأسمالية، لا تعرفُ كيف يتم هذا الانتقال من الناحية السياسية الفكرية، ولا من أين تُجلب موارد التحول المالية المُراد منها تكوين النهضة الرأسمالية الجديدة وعلى حسابٍ أي من الطبقات سوف تجري الخطط الاقتصادية للنهضة؟
عمليةُ فرضِ القالب الفكري المُسبّق وهو أمرٌ يشتركون فيه مع الجماعاتِ الشمولية السابقة الذكر، إنها عمليةٌ معبرةٌ عن استبدادٍ ضمني، عن تشكيلِ جماعةٍ شمولية تستولي على الأمر، لكون تلك الرؤية المؤدلجة في عرفهم مقدسة، والواقعُ ملوثٌ دنس، ولا يمكن لغير الجماعة أن تخلقَ ذلك، ولو كان الأمرُ غير ذلك ما كانت جماعة، وما ناضلتْ وقدمتْ ضحايا ورموزاً ستغدو كلها متغلغلةً في الواقع وفي النظام شيئاً فشيئاً، معيدةً نسجَهُ حسب الآيديولوجيا، وهذا يبدو في الحفاظ على الشعائر والصرامة في الجماعة، والتنظيمية الشديدة، وغياب التعددية والجماعات الفكرية داخل التنظيم، فهي جماعةٌ تتحركُ ككتيبةٍ عسكرية، يسيطرُ رأسُها ثم تتوغلُ في النظام. وهذا التغلغلُ يخضعُ لوضع البنية الاجتماعية ولحالاتِ الناس فيها، والمشكلات والأهداف التي تفجرتْ الثورة الشعبية من أجلها، فالشعبُ المصري لايزالُ ينتظر وأهدافه الاقتصادية الاجتماعية لم تتحقق.
لكن الجماعة لم تعد في نظام شمولي بالكامل، فقد تكسرتْ أجزاءٌ منه، وتبدلت أقسامُ من سلطتهِ العليا.
إن الناس لا تعرفُ تاريخَ الجماعة وأدبياتها بل تريد عملاً سياسياً اقتصادياً إنقاذياً لحالة البلد، فالناس الذين يعيشون هم أنفسهم أوضاعاً شمولية في أسرهم وأفكارهم، يريدون من(الديمقراطية) إنقاذاً معيشياً، وتحولاً من الأزمات الاجتماعية الخانقة، ومن هيمنةِ الحزبِ الواحد صاحب العزبة الوطنية، في وقتٍ يقومون فيه بتصعيدِ حزب شمولي جديد، لم تتفكك هياكله التقليدية، ولا يعرف كيف ينقذهم؟
هذه هي بعضُ الخطوط العريضة لحالة الإخوان وهم يصعدون في مصر وأمامهم مستقبل متعدد الوجوه والاحتمالات.