الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الاسلامي

القصص القرآني
تذكير وهداية وموعظة (3)

تاريخ النشر : السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢




أيها القارئ الكريم، أشرنا في المقال السابق إلى النوع الثاني من أنواع القصص القرآني وهو ما يتعلق بحوادث غابرة وأشخاص لم تثبت نبوتهم كقصة أصحاب الكهف وذي القرنين وأصحاب الأخدود، وبيان ذلك أن القرآن الكريم جاء في عرضه للقصص عرضا شاملا فلم يركز في نوع من دون غيره فنرى القرآن الكريم يذكر أمر فرعون عليه اللعنة في سور كثيرة ويذكر القرآن طغيان فرعون وجبروته واستعلاءه في الأرض حتى ادعى لنفسه الألوهية والربوبية، يقول تعالى عن هذا الموقف: «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري» القصص .38
إنه الغرور والاستكبار اللذان إذا ما اتصف بهما بشر فقد استحق الهلاك والدمار.
ويقول تعالى عن فرعون وغروره: «فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى» النازعات 23- 24، وهكذا نسب فرعون إلى نفسه ما لا يملكه، فجعله الله عبرة لكل متكبر وظالم، خدعته قوته وجنوده وخدعه ملكه وسلطانه فأغرقه الله في اليم وجعل جسده عبرة على مر العصور، يقول تعالى: «فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين» القصص 40، وقال تعالى: «حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية» يونس 90 ؟ .92
هكذا تكون نهاية الظالمين وهكذا تسقط عروش الطغيان ويتهاوى سلطانهم.
إن القرآن حينما يذكر قصة فرعون لينذر الطغاة الظالمين الذين خدعهم الملك والسلطان وفي هلاك فرعون بشرى للمستضعفين وبشرى لأهل الإيمان واليقين بأن نصر الله قريب، وان العاقبة للمتقين، يقول تعالى: «إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» القصص 4-.5
أيها القارئ الكريم، ان الظلم والاستكبار في الأرض والاستعلاء على الخلق سبب لزوال الملك وضياع السلطان ولذا فقد قالوا: إن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وقالوا: الظلم إذا دام دمر، والعدل إذا دام عمر، وكما يقال: العدل أساس الملك.
أيها القارئ الكريم، وفي مقابل هذا النموذج الفرعوني يذكر القرآن الكريم قصة الملك العادل الذي نشر عدله في ربوع الأرض وطاف مشارق الأرض ومغاربها، إنه ذو القرنين الملك العادل الذي استعمل ملكه وقوته وسلطانه في نصرة المستضعفين وتأمين الخائفين فذكره القرآن في سورة الكهف نموذجا للملك العادل والحاكم الأمين الذي يسعى إلى الخير ويدفع الشر والذي يقوم بمهام ملكه لإسعاد رعيته وكل الناس، يقول تعالى: «ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا، فاتبع سببا» الكهف 83-.85
وهكذا يذكر القرآن الصورة كاملة ويذكرها واضحة لا لبس فيها ولا خفاء، وعلى العاقل أن يختار لنفسه أي الطريقين يسلك، وهكذا يذكر القرآن نماذج أخرى من أشخاص لم تثبت نبوتهم ويجعلهم مثالا في الحكمة والعلم والدعوة إلى الله وإلى طريق الحق فيذكر القرآن قصة لقمان الحكيم، ويجعل سورة في القرآن باسمه (سورة لقمان) يقول تعالى: «ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد، وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم» لقمان 12-.13
ويذكر القرآن كذلك قصة أصحاب الفيل التي تدل على عدم الاكتراث بمحارم الله ولا تعظيم حرمه، كما تصور أبرهة الأشرم حينما توجه بجيشه من الفيلة لهدم الكعبة فجعلهم الله عبرة وعظة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حرم الله، فأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول. وذكر الله قصتهم في سورة الفيل، فكلما قرأها قارئ أو سمعها مستمع تذكر هذا الموقف المهيب فيعظم حرم الله ويعظم حرماته كذلك، ويبقى لنا أن نلقي الضوء على النوع الثالث من أنواع القصص القرآني وهو ما يتعلق بأحداث وقعت في عهد النبوة.
وإلى لقاء قادم إن شاء الله والله الموفق.