الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش

بعد الرئاسة جاء دور الوزارة

تاريخ النشر : السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



قبل الانتخابات الرئاسية المصرية أصدرت جماعة الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) بيانا أكدت فيه أنها لن تتقدم بمرشح عنها إلى هذه الانتخابات، مع أن من حقها كحزب سياسي نال الشرعية القانونية بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، أن تمارس الأنشطة السياسية كافة بما في ذلك خوض الانتخابات الرئاسية، لكن الحزب الإخواني سرعان ما انقلب على هذا الوعد، الذي لم يرغم عليه، وإنما اتخذه بمحض إرادة قيادته، وخاض تلك الانتخابات وأوصل مرشحه إلى كرسي الرئاسة وهو الرئيس الحالي محمد مرسي الذي «استقال» من الحزب كي يكون «ممثلا» لجميع المواطنين المصريين، لكن كل هذه الحكاية ليست سوى أسلوب من أساليب عدم المصداقية في التعامل مع الرأي العام.
ربما هذه الخلفية عن الممارسة السياسية غير الأمينة لجماعة الاخوان المسلمين تصلح لتكون مدخلا للوقوف على الخطوة الأخرى المتعلقة بالقرار الرئاسي بتكليف الدكتور هشام قنديل تشكيل الحكومة المصرية الأولى في عهد الرئاسة الإخوانية، فلكي لا يقال إن جماعة الاخوان المسلمين بعد أن أوصلت ممثلها إلى كرسي الرئاسة المصرية، ها هي الآن تخطو أيضا نحو رئاسة الحكومة على طريق الهيمنة الكاملة على مفاصل الدولة المصرية، تم تكليف الدكتور قنديل باعتباره «مستقلا» ولا «ينتمي» إلى أي من الأحزاب السياسية بما في ذلك حزب الحرية والعدالة.
فاختيار الدكتور قنديل لتشكيل الحكومة المصرية الجديدة لم يأت لكون المكلف بتشكيل الحكومة غير منتم إلى أي من الأحزاب السياسية القائمة في مصر، وإنما جاء تكليفه من كونه ينتمي عقديا ومحسوبا فكريا وأيديولوجيا على الأحزاب الدينية وتحديدا حركة الاخوان المسلمين، وبالتالي فإنه الشخص المناسب والأقرب لأن ينفذ بدقة وبأمانة السياسة التي تريد هذه الجماعة تطبيقها في الحقول كافة ، وأخطرها بالطبع الاجتماعي والفكري والحريات العامة، وهي الحقول التي تخوفت قطاعات واسعة من الشعب المصري من أن تدكها قرارات الرئاسة والحكومة إذا ما سيطرت قوى الإسلام السياسي على مراكز اتخاذ وتنفيذ القرارات.
هذا يعني أن تكليف شخصية محسوبة على التيار الديني ليس سوى تكرار بصورة أخرى للوعد غير الصادق الذي صدر عن حركة الإخوان المسلمين فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والذي أثار حنق واستهجان قطاعات واسعة من الشعب المصري واعتبرته انتهازية سياسية فكانت له ارتدادات سلبية على سمعة الحركة وذارعها السياسية (حزب الحرية والعدالة)، ويبدو أن الرئيس المصري كي يبعد سهام الانتقادات مرة أخرى عن حركته وذراعها السياسية، لجأ إلى اختيار شخصية لا تنتمي اسميا إلى حزبه أو أي من قوى الإسلام السياسي.
من المؤكد أن التوجيهات التي سيتلقاها المكلف بتشكيل الحكومة المصرية الجديدة ستؤكد «ضرورة» إشراك شخصيات لا تنتمي إلى أي من الأحزاب السياسية وتحمل الصفة التكنوقراطية كي لا يقال انها حكومة الإسلام السياسي، وإنما هي حكومة متعددة الانتماءات والتوجهات، ولكن ذلك حتى لو تم فعلا، فإنه لا ينفي النيات والأهداف السياسية من وراء تكليف الدكتور قنديل تشكيل الحكومة، بل على العكس من ذلك فإن القرار الرئاسي يزيد من التوجسات التي تسيطر على قطاعات واسعة من الشعب المصري بشأن النيات الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين.
فليس هناك أدنى شك لدى هذه القطاعات في أن الحركة ممثلة في ذراعها السياسية هي الآمر والناهي فيما يتعلق بسياسة الرئاسة المصرية وبتوجه الحكومة المنتظر ولادتها إذا ما وفق الدكتور قنديل في ذلك، ستعمل قدر المستطاع ووفقا للظروف الموضوعية، على ترجمة برنامجها السياسي على أرض الواقع، وهو برنامج، إذا ما طبق فعلا فإنه سينشئ حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في مصر كونه يقسم المصريين وفقا لانتماءاتهم الدينية، وهذا يعني أنه لا يعترف بالمواطنة كمعيار للحقوق والواجبات.
مصر في وضعها الحالي لم تخرج بعد من عنق الزجاجة، فالثورة التي شاركت فيها جميع فئات الشعب المصري بمختلف انتماءاتها الفكرية والدينية، لم تترجم نتائج هذه المشاركة على أرض الواقع، فمجرد أن انتصرت الثورة ظهرت النيات غير المعلنة لقوى الإسلام السياسي، فلم يكن اعتبار ثورة الـ 23 من يوليو مجرد «لحظة عابرة في التاريخ المصري» - بحسب تعبير جماعة الإخوان المسلمين - إلا مقدمة لما هو أسوأ وأكبر من هذا العبث ليس بالتاريخ الوطني لمصر فحسب، وإنما بالنسيج المصري الجميل، وهنا يكمن أكبر خطر يهدد مستقبل ارض الكنانة.