الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٦ - الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

من أمن العقاب...







يقول المثل الفارسي "إن حراسة المنزل الذي جاره لص أمر مستحيل" وهكذا حال شركتنا اليوم فقد بدأت هذه الشركة وروجت مشروعها وباعت الأحلام للمستثمرين الذين حلموا بشقق في أبراجها التي شقت السماء وباتت تُرى من وراء الحدود والبحار. ولكن إن لم تكن لك قيم تقف من أجلها فإنك ستقع من أجل أي شيء، وكما قال الكاتب الإنجليزي توماس فولر "إن غالبية الرجال لن يترددوا في ارتكاب الغش متى ما أمكنهم ذلك بدون خوف" ومم الخوف؟ "فمن أمِن العقاب أساء الأدب" وفي البحرين "من أمِن العقاب ما شبع" فلا حسيب ولا رقيب.

فصاحب مشروعنا العقاري هذا معروف بمبدئه البسيط وهو "استقطع ربحك أولا" وهو مبدأ الأرباح المستقطعة مسبقا، وقد فعلها من قبل في مشروع عقاري آخر ضخم، عندما استقطع أتعابه وأرباحه مقدما غير مبالٍ ببقية المساهمين أو بقية المستثمرين بدافع أنه هو صاحب الفكرة والمخطط لها والمشرف عليها، وذلك قبل أن يثبت المشروع جدواه أو أن يقف على رجليه. فراح صاحبنا مستقطعا أتعابه وأرباحه بدافع أنني قمت بدوري ولذا فإنني أستحق نسبتي حتى قبل أن يثمر المشروع أو أن ينتج أي دخل. وها هو المشروع غير مكتمل في حين أن صاحبنا أمن أرباحه وأخذ حصته وانتقل إلى مشاريع أخرى في البحرين وفي دول مجاورة أخرى.

فمن هذا المشروع العقاري الضخم، والأرباح الضخمة التي استقطعها من المشروع، نصَّب صاحبنا نفسه واحدا من أكبر مطوري المشاريع العقارية في البلاد بل في المنطقة كلها، وكون من حوله هالة وحاشية وعاش حياة اللوردات وتصرف تصرف الطبقة المخملية فقام يبطش ويظلم، ولو لم يكن ذلك من طباعه عندما كان إنسانا بسيطا، فـ"الفلوس تغير النفوس" وراح يظلم موظفيه ويؤخر معاشاتهم، ويظلم الممولين ولا يدفع مستحقاتهم، ويضحك على ذقون الناس، مشيرا إلى هالته التي ادعى أنها قد أُنعمت عليه. وهكذا عاش حياة البذخ بكل معانيها هو وعائلته غير مبالٍ بمن حوله وكذب على الناس وجاءت الطامة الكبرى حين صدق كذبته فظن أنه ممن لا يُلمسون فاشترى أرضا في منطقة مرموقة خضراء من البلاد وجاءته فكرة بناء أبراج سكنية يبيع منها وحدات إلى الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة وبأسعار معقولة التي لم تكن إلا طُعُما للمشترين والمستثمرين.

وبذلك جهز صاحبنا الفكرة ورسم الحلم ولكنه، كمثله ممن حاول أن يواكبهم ويلحق بركبهم من الذين أصبحوا أغنياء بل من أصحاب الملايين بين اليوم والليلة، عجز- في عجالته - عن التخطيط السليم للمشروع ولم يوفر الميزانية والمبلغ المطلوبين لبنائه. وكل ذلك لغياب الرقيب والحسيب فهل كان هذا ليحدث لو كانت لدينا كما ردّدنا من قبل "هيئة أو سلطة للرقابة على شركات التطوير العقاري"، كما في فرنسا أو في دبي، وكل ما يواكب هذه الشركات من غش واحتيال وفساد وجشع؟ وراح يبيع هو وأخوه، الذي هو الآخر انضم اليه ليشارك في الغنائم وليكون من عداد الطبقة المخملية وليكون هو الآخر لوردا، فبيعت الشقق في هذا المشروع واعتمدا في ذلك على احلام المشترين ممن رغب في الحصول على شقة في هذا المكان المرموق. وراح يبيع الأحلام ويتسلم الأموال بدون ذمة ولا ثمة رقيب سواء عليه او على أخيه وكالعادة فمن المبالغ المتسلمة استُقطعت الأرباح والفوائد والعمولات مقدما وبات المشروع كالطفل الذي وقف على رجليه ولكنه لم يُفطم بعد فإذا بأمه تختفي وهو بحاجة إلى الرضاعة فكيف سيُغذى هذا الطفل وكيف سينمو ليكون رجلا؟

فوفقا لعقود البيع التي كان يوقعها مع مشتريه، كان المقرر أن يكون الانتهاء من اعمال البناء وتسليم الشقق في عام ٢٠٠٩ ولكنه لم يلتزم بذلك الموعد وقام في عام ٢٠١٠ بإخطار المشترين بتغيير موعد التسليم ليصبح عام ٢٠١٠ بدلا من ٢٠٠٩، متمسكا في هذا الشأن بما تضمنه عقد البيع الذي كان يعطيه، إجحافا، الحق وبصورة منفردة في تمديد تاريخ انتهاء الأعمال وتسليم الشقة مدة أقصاها سنة من تاريخ التسليم المحدد مسبقا. وبالرغم من ذلك لم يعترض المشترون على ذلك التمديد رغم عدم وجود أي مبرر قانوني أو واقعي يبيح له القيام بذلك، سوى الجشع والإهمال وسوء التخطيط.

والمضحك أنه أثناء قيام المشترين بزيارة موقع المشروع في خلال عام ٢٠١٠ للوقوف على ما تم إنجازه من أعمال ووضع الشقق التي اشتروها كانوا يفاجأون بأن الأعمال متوقفة بالمباني تماما وفي بعض الحالات لم يكن قد تم الانتهاء من الأساسات وأعمدة الطابق الأول لبعض المباني، بل ما هو مضحك أكثر أنه وحين قام مشتر خليجي بزيارة الموقع لشراء شقة عرض عليه الموقع ككل وشرح له موقع شقته بالضبط بل تم توقيع عقد البيع معه وعندما استفسر عن سبب هدوء الموقع وعدم وجود عمال فيه يعملون على إنجاز المشروع أبلغه من كان معه من فريق البيع بأن "اليوم يوم إجازة والعمال مجازون وان يوم غد سيكون الموقع مزدحما كخلية نحل" فدفع المسكين المبلغ المحدد في عقد البيع ليتسلم رسالة بعدها بفترة بسيطة تبلغه بأن المشروع متعثر، فأي نصب واحتيال هذان؟ وأين الرقابة على هؤلاء، ولم تم تسلّم المبلغ منه في حين أن المشروع متعثر؟

والغريب أن المشتري إذا ما أخطر البائع الجشع بأنه سيقوم بحبس باقي ثمن الشقة محل البيع وأنه لن يقوم بالسداد إلا عند تسلمه الشقة وبالتالي حثَّ البائع بعلى الالتزام بموعد التسليم الذي حدده في خطاب التمديد ترى البائع لا يحرك ساكنا بل في بعض الأحيان يهدد المشتري بضرورة الالتزام بالعقد ودفع الأقساط في موعدها، مدعيا زورا وبهتانا أن هذا سيعتبر فسخا للعقد من جانبه، مما قد يعطيه الحق في بيع الشقة لغيره، وان سبب التأخير الرئيس هو عدم دفع المشتري للأقساط المحددة أو بالأحرى أقساط نظام الحياة الفاخرة والحياة المخملية التي باتوا متعوديها.

وفي الوقت الذي لم يقم فلان بأي أعمال في المشروع منذ توقفه حتى تاريخ هذا العمود، بل إن الشائعات تؤكد أنه ترك البحرين إلى دولة خليجية حيث ينوي أن يلوث سمعة البحرينيين هناك كما فعل قبلا في دولة خليجية أخرى، فإننا نرى أن المتضرر الأكبر ليس سمعة البلاد فحسب، لتصديرها مثل هذا الجشع الهارب بل المشترون الذين ضحك على ذقونهم، فهو مازال يعيش حياة البذخ ولو كان خارج البحرين وأخوه مازال يعلق التهم به قائلا: انه هو السبب وراء فشل المشروع وكل هذا وهما مازالا يعيشان حياة الترف وحياة اللوردات وعائلتاهما تزورانهما أينما كانا، وكل هذا بأموال المستثمر والمشتري المسكين.

فضحاياه تشكيلة من الشباب الذين تبخرت أحلامهم بالحصول على عش زوجية أو شقة تؤويهم أو أجانب من الذين استثمروا "تحويشة العمر" ليتقاعدوا في البحرين في مُلك خاص بهم او من الأجانب الذين يعملون في الشقيقة والجارة الكبرى ويرغبون في العيش في البحرين حيث مدارس أبنائهم وبقية مقومات حياتهم أو حتى المستثمرين الذين استثمروا وضاربوا في هذه الشقق، ولكن هيهات فكل هذه الأحلام تبخرت وكل الأموال طارت، وغالبا إلى حساباخاصة في دول أوروبية وإلا فكيف مازال يعيش هو وعائلته في حياة الترف في حين أن الشركة مفلسة؟ وما بقي للمشترين والمستثمرين إلا الحسرة. هذا وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال "العِرقُ دساس" فكما في القول المأثور من شابه... ما ظلم.



















.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة