بعد حادث بلغاريا:
إسرائيل وسياسة إيجاد الذرائع لضرب إيران
 تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
هذا السؤال يطرح نفسه في ضوء ما تتناوله وكالات الأنباء من حملات وعبارات التهديد والوعيد التي تصدر عن أركان الحكم في إسرائيل ضد إيران وحزب الله اللبناني في أعقاب الهجوم الانتحاري الذي وقع في بلغاريا واستهدف فوجا سياحيّا إسرائيليّا وترتب عليه مقتل خمسة وإصابة ما لا يقل عن ٣٤ كانوا يستقلون حافلة بأحد المطارات.
فالتاريخ يقول، ولاسيما من تجربة الصراع العربي ؟ الإسرائيلي، إن إسرائيل ليست بحاجة إلى ذريعة حتى تشن حربا أو عدوانا ضد أحد، غير أنها كانت تختلق الحجج الواهية لتبرر العدوان ولجذب التعاطف الدولي تجاهها تحت زعم الدفاع الشرعي عن النفس، وأنها دولة يحيط بها الأعداء من كل جانب، وهي الحجة التي كانت ولاتزال تلجأ إليها.
وتأسيسا على ما سبق: ألا يكفي البرنامج النووي الإيراني وحده كمبرر لإسرائيل حتى توجه ضربتها العسكرية إلى إيران؟ بالطبع هي تعتبره مبررا ـ رغم أنها تمتلك برنامجا لا يخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ـ ولكنها تعلم أن الولايات المتحدة التي تعهدت بأن تحول دون حيازة إيران السلاح النووي ترفض في الوقت الحالي شن عمل عسكري ضد طهران، وتفضل الانتظار لحين الوقوف على تأثير العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها، وكذلك نتائج المفاوضات الدولية معها في إطار صيغة (٥ +١)، كما أن المجتمع الدولي لن يكون على استعداد للقبول بحرب كارثية أخرى في منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة الحيوية التي سيترتب على أي حرب جديدة فيها، ولاسيما في منطقة الخليج، تهديد تجارة النفط الدولية، وبالتالي لابد لإسرائيل من حجج إضافية حتى تظهر أمام المجتمع الدولي في صورة الضحية التي تواجه التهديدات التي تستهدف أمنها وتستهدف أمن مواطنيها، وبالتالي سيكون لديها العذر لو أنها استخدمت وسائلها الخاصة في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها.
ولعل الأمر الملاحظ الذي يصب في خانة التحليل السابق الإشارة إليه أن إسرائيل ما من عمل عدائي يستهدفها في الفترة الأخيرة إلا وسارعت بتوجيه الاتهام إلى إيران، وهذا تقليد تتبعه منذ حادث الهجوم على المعبد اليهودي في بوينس آيرس في الأرجنتين عام ١٩٩٤، بيد أن ذلك زاد في السنوات الأخيرة مع احتدام أزمة البرنامج النووي الإيراني، والدليل الاتهامات التي سارعت تل أبيب إلى توجيهها لطهران بعد الحادثين التفجيريين اللذين تعرضت لهما السفارتان الإسرائيليتان في جورجيا والهند في شهر فبراير ٢٠١٢، فضلا عن اتهامات أخرى بمحاولة قتل سياح إسرائيليين بجزيرة قبرص، وما أثير عن إلقاء القبض في كينيا على رجلين إيرانيين على صلة بتفجيرات ضد مصالح إسرائيلية وغربية في شرق إفريقيا.
وكل ما سبق يقود إلى حقيقة مؤداها أن طهران أصبحت هاجسا مقلقا لإسرائيل، وأنها تحولت لتصبح في الوقت الراهن عدوها رقم (١) في المنطقة.
وكيف لا تصبح إيران الإسلامية عدوة إسرائيل الأولى ؟ بعد أن كانتا صديقتين وحليفتين في زمن الشاه الراحل ـ ورئيسها "محمود أحمدي نجاد" يصف الدولة العبرية بالورم السرطاني في جسد المنطقة أو أنها يجب أن تمحى من الخريطة؟ كيف لا وإيران تقيم شبكة تحالفات مع أنظمة ومنظمات معادية تستهدف إسرائيل.. مثل نظام "الأسد" و"حزب الله"؟ كيف لا وطهران تمتلك ترسانة من الأسلحة التقليدية ولديها برنامج متقدم لتطوير قدراتها الصاروخية المتوسطة والطويلة المدى؟ كيف لا - وهو الأهم - وهي تمتلك برنامجا نوويّا غامضا وتثور حوله الشبهات وتعتقد إسرائيل والولايات المتحدة أن غرضه يتجاوز توليد الطاقة إلى تصنيع وحيازة السلاح النووي؟
ولكن السؤال هنا: ما الذي يدفع إيران للضلوع في حادث السياح الإسرائيليين في بلغاريا؟
هناك من يفسر احتمال ضلوع طهران في الحادث بأنه نوع من الانتقام على عمليات التصفية التي تستهدف العلماء والخبراء النوويين الإيرانيين.
وبعيدا عن الدافع الإيراني للضلوع في حادث بلغاريا، ورغم أن إيران قد لا تكون متورطة فعلا في الحادث، فإن توجيه أصابع الاتهام إلى طهران يعني أن المسؤولين الإسرائيليين يسعون بكل ما أوتوا من قوة من أجل الإسراع للقيام بعمل عسكري ضد إيران، فهم لا يشعرون بالارتياح حيال الخيار الأمريكي (الخاص بالعقوبات والمفاوضات الدبلوماسية) ويرون في هذا الخيار مضيعة للوقت أو محاولة إيرانية لكسب الوقت حتى تحقق هدفها في حيازة السلاح النووي، فـ"دوني بار أون" رئيس لجنة الدفاع والسياسة الخارجية في الكنيست أكد قدرة إيران على تحمل تأثير العقوبات لعام آخر على الأقل، كما حذر رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ووزير دفاعه "إيهود باراك" من استخدام إيران المفاوضات كتكتيك يرمي لكسب الوقت قبل أن تتمكن من صنع سلاح نووي.
في ضوء الاتهامات الإسرائيلية لإيران بالضلوع في حادث الحافلة والتشكيك في جدوى خيار العقوبات والمفاوضات الأمريكية والزعم بأن طهران تسابق الزمن من أجل حيازة السلاح النووي.. هل يعني ذلك أن تل أبيب قد تقدم منفردة على خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران بعيدا عن الولايات المتحدة؟
للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول إن هناك وجهتي نظر:
الأولى: تتبناها القيادة الإسرائيلية وتنطلق من أن إسرائيل كدولة تملك قرارها وتعرف ما تريد وليست بحاجة لأحد حتى يملى عليها ما تفعل، وبالتالي هي التي تحدد ما يمكن أن تتخذه من إجراءات لحماية وجودها وأمنها وحماية مواطنيها وهي وجهة النظر التي نوه بها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" خلال حضوره مؤتمر إيباك في مارس الماضي عن تقبله لها حين أكد أن إسرائيل كدولة مسؤولة عن أفعالها، وقرار ضرب إيران هو قرار سيادي إسرائيلي يتعلق بوجود إسرائيل ذاته.
أما وجهة النظر الثانية فترى أنه لا يعقل تحرك إسرائيل لضرب إيران بدون دعم أمريكي؛ إذ لابد أن يكون هناك تنسيق مشترك في هذا الصدد سواء قامت إسرائيل بتوجيه الضربة منفردة، أو قامت الولايات المتحدة بتوجيهها منفردة أو اشتركتا في هذا الأمر؛ لأن هذا التنسيق سيكون ضروريّا على المستويات المختلفة الاستخباراتية والعملياتية واللوجستية، فالدولتان تضعان رد الفعل الإيراني في الاعتبار جيدا وكذلك التداعيات التي سيجلبها مثل هذا العمل على المنطقة بالكامل؛ لأن إيران ليست العراق وهي تمتلك من عناصر القوة ما يمكنها من توجيه ضربات موجعة لإسرائيل (سواء عن طريق حزب الله الذي طور مؤخرا شبكة أنفاقه في جنوب لبنان أو عن طريق صواريخها الطويلة المدى) وللمصالح الأمريكية في المنطقة، وقد سبق أن حذر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية "علي خامنئي" - في ذكرى وفاة الخميني - من أي هجوم لإسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني، وأكد أن رد طهران على مثل هذا الهجوم سيسقط على رأس إسرائيل كالصاعقة.
أيضا هدد قائد الدفاع الجوي بالحرس الثوري "أمير حاج زاده" بضرب إسرائيل وتدمير ٣٥ قاعدة عسكرية أمريكية في دول الخليج؛ وذلك خلال دقائق من تعرضها لهجوم عسكري من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل. ولن يتوقف الأمر عند حد ضرب إسرائيل والقواعد الأمريكية، بل إن تجارة النفط الدولية ستتعرض للشلل التام مع وجود احتمال باستهداف إيران لحقول النفط في دول الخليج العربية، فضلا عن إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة الدولية من وإلى الخليج العربي.
وإذا كانت إسرائيل لها حساباتها الخاصة ولا يعنيها سوى وجودها وأمنها، فإن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ومصالح حلفائها ستكون هي المتضرر الأول.. ولهذا ستعمل بل تعمل بكل ما أوتيت من قوة على الأقل في هذه المرحلة لمنع إسرائيل من اللجوء إلى عمل منفرد ضد إيران.
ولقد توقع الجنرال "ديفيد باتريوس" رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) ألا تهاجم إسرائيل إيران في المستقبل القريب بعدما أقنع الرئيس "أوباما" رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" بعدم شن هجوم عسكري ضد إيران بعدما تعهد "أوباما" بمنع إيران من حيازة السلاح النووي، ومثل هذا التوقع يتزامن مع تصريحات رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق "مائير داغان" التي طالب فيها بزيادة الضغوط على الجمهورية الإسلامية وتشديد العقوبات المفروضة عليها لإجبارها على وقف برنامجها النووي.
ورغم أن أغلب التوقعات تذهب إلى صعوبة أن تُقدم إسرائيل في الوقت الراهن على توجيه ضربة عسكرية لإيران حتى لا تسبب الحرج لحليفتها أمريكا المقبلة في نوفمبر القادم على انتخابات رئاسية.. فإنه يبقى أن أحدا لا يدري ما الذي يدور في عقول المسؤولين الإسرائيليين ولا يستبعد أن يقدموا على أي عمل عدواني ماداموا يملكون الحجج والذرائع (وفي مقدمتها حق إسرائيل الأصيل في الدفاع عن نفسها كما يقول أوباما ومن سبقوه في الرئاسة) سواء بتوجيه ضربة إلى إيران لإجهاض برنامجها النووي أو توجيه ضربة لحزب الله يدها الطولى في المنطقة الذي تتهمه تل أبيب دائما بأنه يقوم بدور الوكيل لإيران ويتورط في العمليات التي تستهدف المصالح الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين في الخارج، وفي الحالتين فإن منطقة الشرق الأوسط قد تكون مقبلة على مواجهة جديدة لا يتوقع أحد أطرافها ومداها وحجم تأثيراتها وتداعياتها، ولكنها بالطبع خطرة.
.