مقالات
الإنسان المبتلى
تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
الإنسان في هذه الحياة يمر بعدة ابتلاءات، في العطاء وفي المنع، فقد يبتليك ربك فيعطيك، وقد يمنعك ليبتليك، ومصداق ذلك قوله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" (الأنبياء/35).
وفي تفصيل ذلك قوله تعالى في سورة الفجر: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن (15) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن (16)" وهكذا لا يتسع حسن ظنه بربه سبحانه، ولا يرى في النعم إلا التكريم، ولا يرى في ضيق الرزق إلا الإهانة، ويغفل عن الحكمة وراء كل ذلك، فقد يعطي الله تعالى من لا يحب ويمنع العطاء عمن يحب.
إذًا، فالعطاء ليس دليلا على الحب أو الرضا، كما أن المنع ليس دليلا على البغض أو السخط، فكلاهما مادة للابتلاء والامتحان.
الله سبحانه يبتلي عباده وفق علمه سبحانه بهم، فهناك من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقره الله تعالى لكفر، وهناك من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغناه لطغى، ألم يقل الحق تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير" (الشورى/27)؟
فلا يفرح الإنسان بالعطاء حتى يرى كيف يوفقه الله تعالى فيه، ولا يحزن بالمنع حتى يدرك الحكمة منه، فالإيمان شطران: شطره شكر في السراء، وشطره صبر في الضراء، ولا يكمل إيمان العبد حتى يبتلى في الاثنين.
وهناك من ينجح في المادتين: مادة الصبر، ومادة الشكر، وهناك من ينجح في مادة ويسقط في الأخرى، وهناك من لا يوفق في الاثنتين، وهذا خسارته كبيرة جدا وعليه أن يعد نفسه، ويعودها الصبر في الضراء والشكر في السراء.
والإنسان في صراع دائم بين رغباته وإمكاناته، فقد تدفعه رغباته إلى الشطط والانحراف وذلك حين تعجز إمكاناته عن تلبية هذه الرغبات، وعلى الإنسان أن يحسم هذا الصراع لصالح إيمانه ويقينه وألا يستسلم لوسوسة شيطانه، وألا يكون صيدا سهلا لشياطين الانس والجن، وليعلم الإنسان أن كل واحد منا له قرين من الشياطين تشجعه على المعصية، وتخذله عن الطاعة، فليحذر هذا القرين، وليفعل بعكس ما يوسوس له فإن في ذلك نجاته.
ولأن الله تعالى خبير بعباده بصير بما يصلحهم ويفسدهم، فهو يختار لكل إنسان ما يصلحه من بلاء، المهم في الأمر أنه سبحانه يريد أن يمتحن صبره في الضراء، ويمتحن شكره في السراء، وأن يعجم عوده ليرى قدر حسن ظنه بمولاه سبحانه وتعالى، ولأنه بغير هذه الابتلاءات لا تظهر حقيقة هذا الإنسان الذي قد يبدو للناس أنه شاكر في الرخاء صابر في البلاء، أو هو يتصنع الشكر كما يتصنع الصبر، والله تعالى من عدله المطلق لا يحاسب الناس بحسب علمه بهم، بل لابد ان يقيم الحجة عليهم.
القاضي العادل لا يحكم على المتهم بعلمه، وان رآه يرتكب الجريمة بعينه، بل لابد من الشهود والأدلة ولذلك تكرر في القرآن الكريم سؤال الله تعالى لأنبيائه ورسله عن أحوالهم مع أقوامهم، مع انه سبحانه يعلم بذلك، ولكنه تعالى يريد إقامة الحجة على هؤلاء الأقوام الذين ادعوا على أنبيائهم ما هم برءآء منه، كما حصل مع نبي الله عيسى (عليه الصلاة والسلام) حين زعموا انه قال لهم: "اتخذوني وأمي إلهين من دون الله".