الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق

الإخوانُ المصريون من الأيديولوجيا إلى الحكم (2-2)

تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢

عبدالله خليفة




تتحكم البُنيةُ الاجتماعيةُ في أي خطاب سياسي، وما حمله الإخوان من أفكارٍ وشعارات على مدى عقود يخضعُ الآن لقانونية البنية الاجتماعية المتحكمة في النصوص والسياسات المختلفة.
وأساس البنية الاجتماعية الراهنة هو حدوث جبهة شعبية واسعة تريد تحقيق تحولات في معيشتها الاقتصادية وأن تحدث نقلة في شؤون الإدارة والخدمات كافة.
وتضطر أي قوة سياسية حالية للاستجابة لمطالب هذه الجبهة الشعبية الواسعة، لكن كل قوة سياسية لها موقف ومصالح وشبكة تنظيمية وتاريخ سياسي اجتماعي تتحرك من داخله.
والقوتان التقليديتان الحاكمتان جماعةُ العسكر الحاكم وجماعة الإخوان، يحددُ سلوكهما السيطرة وتحلل السيطرة على جهاز الدولة، فهما قوتان متضادتان تضاداً ثانوياً، فهما نتاجُ صعود الفئات الوسطى نحو الغنى على مدى العقود السابقة، ويضرهما تنازعهما وانهيارهما عن سدة الحكم، وينفعهما تعاونهما.
لقد قامتا على ضربِ الإقطاع الملكي معاً، من خلال تنازعهما على السيادةِ في الماضي، وأنشأتْ إحداهما العسكريةُ رأسماليةَ الدولة، لكونهما فئتين من البرجوازية الصغيرة الشموليتين، إحداهما جعلتْ الوطنيةَ دكتاتوريةً والأخرى جعلتْ الدينَ دكتاتوريةً، وراحتا تتصارعان حتى كبُرت دجاجةُ رأسماليةِ الدولة وباضتْ كثيراً، وخلال هذا التنازع والعمل المختلف لم تغيرا النظامَ الإقطاعي القديم تغييراً كلياً، من حيث بنيته الصناعية الضعيفة، ومن حيث قواه الانتاجية البشرية المتدنية والعاطلة والمتغربة، وتسربت الفئتان لشرايين الدولة حتى غدت سلطة عسكرية عنفية محضة، وتغلغلتْ الأخرى في شرايين المجتمع دعوةً وشركات مالية، فكلتاهما لا تقدران على إحداث الثورة الصناعية وتغيير أحوال الشعب بشكل جذري.
لكن الشعب يطلب منهما وقد صارتا معاً أن تغيرا أحوال الشظف التي يعيشها وتشكلان دولةً حديثة ديمقراطية على غرار الغرب.
قانونُ الصراعِ الطبقي يحدد أن القوة التي صعدتْ للحكم سوف تواصلُ الزحفَ على مقابض السلطة كلها، وأن القوة الأخرى سوف تحاولُ التشبث بسلطتها، وليس للقوة الصاعدة الجديدة سوى طريقين لا ثالث لهما:
الأول هو أن تقبل بالتعايش مع القوة القديمة، وتتقاسما النفوذ وأن لا تتحرك القوة الجديدة نحو مفاتيح السلطة الأساسية خاصة الجيش الذي سيغدو هو حصن القوة القديمة التي لن تقبل التنازل عنها.
أي أن تواصل التوسع الكمي وأن تستفيد من المغانم الجديدة وأن تغيرَ وضع الجمهور فيما هو متاح، وتكرار للخدمات وتوسع بعض جوانب العمل والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الصغيرة وغير ذلك من أعمال لا تجعل القوى الجديدة الإخوانية تصطدمُ مع القوة القديمة، ومع القوى الرأسمالية البيروقراطية المتنفذة والمتغلغلة في أعصاب النظام.
وهذا طريق لا يرضي الجمهور الشعبي الذي صعد إلى مسرح التاريخ مطالباً بتغييرات جذرية في عيشه وظروفه ومكانته الاجتماعية السياسية، أي أن الإخوان المسلمين في حالة التوافق مع العسكر أو أن يحلوا محلهم سينضمون عملياً لنظام مبارك وقد جُدد بعض التجديد، وفي هذه الحالة سوف يكون زادهم الفكري معتمداً القراءةَ المحافظة الشعارية للدين ويواصلون عدم فهم الإسلام بشكلٍ نضالي ديمقراطي فيركزون على العبادات والممنوعات.
الخيارُ الثاني هو أن يواصلوا المشوار النضالي الديمقراطي مع الجمهور نحو دولةٍ حديثة متقدمة صناعية يقومون فيها بفرض ضرائب على الطبقة الغنية ورجال الأعمال، ويلاحقون الفساد في خلايا الإدارات المختلفة، أي أن يقوموا بجمعِ فوائض اقتصادية كبيرة لعمليات تجديد صناعية وتقنية وتعليمية عميقة لدولة مختلفة عن الدولة البيروقراطية الفاسدة المتخلفة السابقة، ويحدثوا التحول من خلالها لا أن يفرضوا العبء على الجمهور العادي وتظل ماكينةُ الاستغلال المتخلفة تشتغل، وفي هذه الحالة سوف يجدون من الفئات الوسطى التحديثية المختلفة تعاوناً.
من خلال ثقافة الإخوان المصريين يبدو لي أن الخيار الثاني صعب عليهم، لكنه هو خيار تلك الجبهة العامية المثقفة الواسعة التي سوف تضغطُ من أجل هذا الخيار.
وكانت ثقافةُ الإخوان المصريين خلافاً لثقافةِ الإخوان السوريين مثلاً تقليديةً إن لم تكن رجعيةً معادية للحداثة والقراءات العقلانية للتراث الإسلامي، وكان هذا بسبب شراستها في العداء للناصرية خاصة، حتى لقد تجاهلتْ الإرثَ الإسلامي التنويري في مصر ذاتها. ولهذا فإن هذا الخيار الثاني يتواكب مع إعادة نظر في قراءتهم المحافظة للدين.
لكن لابد لنا أن نصبرَ ونقرأ المعطيات الجديدة للحالة المصرية ومدى حدوث التحولات أو الانشقاقات في صفوف الإخوان وظهور تيارات مواكبة وطنية متعاونة لتحقيق مطالب الشعب وأهدافه في التحولات العميقة.