الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية

الذين يريدون الثأر من ثورة يوليو

تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢

السيد زهره



في الأيام الماضية, شهدت الساحة السياسية والاعلامية في مصر جدلا ونقاشا في منتهى الغرابة. في الحقيقة هو من اسخف النقاشات واكثرها استفزازا. نعني, ذلك النقاش الذي دار حول الاحتفال بذكرى ثورة يوليو, حيث حلت ذكراها الستين.
هذا النقاش انطلق بطرح سؤال على الساحة, مجرد طرحه هو في حد ذاته كان امرا مفزعا. السؤال هو: هل سيلقي الرئيس محمد مرسي خطابا او يوجه كلمة الى الشعب في ذكرى الثورة ام لا؟
مفهوم بالطبع السبب الذي جعل هذا التساؤل مطروحا. السبب هو انتماء الرئيس مرسي الى جماعة الاخوان المسلمين. ومعروف بالطبع ما يكنه الاخوان للثورة وزعيمها جمال عبدالناصر من كراهية لا حد لها.
تعليقا على التساؤل, وقبل ان تحل ذكرى الثورة بيومين, قال المتحدث باسم الرئاسة انه «في الغالب سوف يوجه الرئيس كلمة الى الامة في ذكرى الثورة».
ان يقول في «الغالب» كان معناه ان الرئيس قد يوجه كلمة وقد لا يوجه. وكان معناه ان الموضوع كان موضع خلاف واخذ ورد ولم يحسم. وكان معناه ان الرئيس نفسه كان مترددا في هل يوجه كلمة ام لا؟!.
كان هذا امرا مفزعا لأن الرئيس محمد مرسي منذ اللحظة التي انتخب فيها رئيسا لم يعد ممثلا للاخوان, وانما رئيسا لمصر ولكل المصريين, وليس مقبولا ان يفكر مجرد تفكير في ان يتنكر لصفحة مضيئة في تاريخ مصر كله مثل ثورة يوليو.
المهم ما حدث كما هو معلوم ان الرئيس وجه بالفعل كلمة الى الشعب في ذكرى الثورة, وان جاءت فاترة جدا لا تليق ابدا بالذكرى الستين لثورة غيرت وجه مصر والعالم كله.
في نفس الوقت, خرج احد «الناشطين» المنتمين الى احدى الجماعات السياسية, يدعو الى عدم الاحتفال بثورة يوليو. المبرر الذي قدمه لدعوته هذه يتسم بالسخف وبالغباء الشديد، اذ قال ان الاحتفال بذكرى الثورة معناه تأييد حكم العسكر في مصر.
وكما يقال, اذا عرف السبب بطل العجب. فهذه الجماعة التي ينتمي اليها من دعا لعدم الاحتفال بالثورة هي جماعة مشبوهة, لم يعد سرا علاقاتها وروابطها بالأمريكان منذ ما قبل ثورة يناير.
وليس مستبعدا ابدا, والحال هكذا, ان يكون حديث هذا الشخص عن عدم الاحتفال بالثورة, هو بايعاز مباشر من دوائر امريكية.
بالضبط كما حدث حين بادرت هذه الجماعة, وبايعاز من امريكا, قبل فترة بتأييد الاخوان المسلمين ومرشحهم للرئاسة واعلان موقفهم هذا بوضوح.
هذا الجدل لا يتعلق في حقيقة الامر بمسألة الاحتفال بحد ذاتها. هو يشير الى بوادر محاولة للثأر من ثورة يوليو. محاولة لشن حرب سياسية على الثورة.. محاولة لمحو الثورة من الذاكرة الوطنية المصرية.
وهذا الثأر الذي يلوح في الافق من ثورة يوليو تتشارك فيه فيما هو واضح, جماعة الاخوان المسلمين, وامريكا. ولكل منهما هدف وغاية.
الاخوان المسلمون يعتبرون ان لهم ثأرا تاريخيا مع ثورة يوليو وقادتها. هذا الثأر ليست له علاقة للأسف بمصلحة وطنية مصرية تراها الجماعة. هو ثأر له طابع شخصي. هم لا ينسون للثورة انها حجمتهم واحبطت مخططاتهم, وجعلتهم يعيشون في الظل عقودا.
والاخوان المسلمون حين يعتبرون اليوم انهم في صراع مع المؤسسة العسكرية, فان السبب ليس كما يزعمون لرغبتهم او حماسهم لقيام دولة مدنية في مصر بعيدا عن حكم العسكر. هم آخر من يتحمس للدولة المدنية او حتى للديمقراطية. هم ببساطة يعتبرون ان المؤسسة العسكرية هي حائط الصد الاكبر في مواجهة فرض سطوتهم الكاملة على الدولة وتنفيذ مشروعهم.
اما امريكا, والغرب عموما، فأزمتهم مع ثورة يوليو معروفة ومعروف ابعادها.
امريكا والغرب حاربوا الثورة وحاربوا عبدالناصر, وتآمروا على الثورة وعلى عبدالناصر, وما فعلوه معروف ومحفوظ في ملفات التاريخ. فعلوا هذا لأنه افزعهم ان يكون في هذه المنطقة العربية مشروع وطني قومي يسعى الى النهضة الحقة والى استنهاض الوطن العربي كله في مواجهة المشروع الصهيوني وفي مواجهة المشروع الغربي.
هذا النقاش المخزي الذي دار حول الاحتفال بالثورة من عدمه, هدفه الحقيقي كما قلت محاولة محو الثورة وميراثها ومبادئها من الذاكرة الوطنية المصرية.
المشكلة هنا ليست في ان تنجح هذه المحاولة ام لا. فهي محكوم عليها حتما بالفشل الذريع. فثورة يوليو ليست حدثا تاريخيا عابرا يمكن محوه من الذاكرة. وثورة يوليو وان كان قد فجرها وقادها العسكر, الا انها تحولت الى ثورة شعبية والى مشروع وطني قومي احتضنه الشعب كله والامة العربية كلها. والثورة حققت من الانجازات للشعب ما لا يمكن ان ينساه المصريون او يتنكروا له.
بعبارة اخرى, الثورة وزعيمها عبدالناصر اكبر بكثير جدا من محاولات هؤلاء للتقليل من شأنها او محوها من الذاكرة.
المشكلة, او بالاحرى, المصيبة ليست هنا.
المصيبة هي في ذلك التحالف غير المعلن الذي نراه يتشكل بين امريكا وبين الاخوان المسلمين.