في الصميم
هل يصل الأمر إلى الكيدية وتصفية الحسابات؟!
تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
لطفي نصر
أمل المتقاعدين في سمو رئيس الوزراء كبير.. فقد لاحظت أن معظم الرسائل منهم تجيء إلينا مرفوعة إلى سموه الكريم.. وهم على حق؛ لأن قرارات إنصافهم هي من اختصاصات وسلطات سموه.
مؤخرًا بادر سموه بخطوتين مهمتين على طريق إنصاف المتقاعدين.. الأولى: من خلال توجيهات سموه إلى ضرورة اتخاذ إجراءات تسوية معاش الموظف التقاعدي على وجه السرعة.. وكنت أتمنى النص صراحة على ضرورة إنهاء عملية التسوية قبل أن يترك الموظف الخدمة وليس بعدها.. ليس هذا فقط، بل أطمع ويطمع الكثيرون في اللجوء إلى التقنين.. بمعنى أن تتم التسوية قبل أن يوقع الموظف قرار ترك الوظيفة بقوة القانون حتى لا تترك هذه المسألة الشديدة الحيوية لهوى الموظفين والمشرفين في العمل.
ومنطلقات سمو رئيس الوزراء من حيث الحرص على هذه المسألة الإنسانية وتكرار تأكيدها تكمن في أنه قد حدثت وتحدث دائما مصائب ومآسٍ.. وأنه في كثير من الأحيان يخرج الموظف على المعاش قبل عملية التسوية المطلوبة للمعاش التقاعدي.. وقد تتأخر عملية التسوية شهورا. فبالله عليكم من أين يعيش مثل هذا المواطن بعد أن كان مكرما معززا في وظيفته من خلال تسلمه راتبه قبل نهاية كل شهر.. وأنا للأسف الشديد أسمع عن حالات تأخير في تسوية المعاش التقاعدي قد لجأ أصحابها إلى مد أيديهم في وزارة التنمية الاجتماعية طلبا للمساعدة المالية.. فهل هذا يجوز؟!
هذه القضية.. أو جريمة التأخير في تسوية المعاش التقاعدي.. المتهم فيها طرفان لا ثالث لهما: جهة العمل التي كان ينتمي إليها الموظف.. ثم الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.
سألت الدكتور زكريا سلطان، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتأمين الاجتماعي: لماذا يتأخر صرف المعاش التقاعدي للموظف المحال إلى التقاعد؟ أجاب الرجل: نحن لا نؤخر المعاش.. والنظام يقضي بأنه إذا كانت كل أوراق ومستندات الموظف كاملة فإن المعاش التقاعدي ومعه مكافأة الخدمة يصرفان خلال 48 ساعة على أكثر تقدير.. أو بمعنى أصح.. تتم تسوية المعاش خلال 48 ساعة بحيث يصرف المعاش التقاعدي في نهاية أول شهر يحال فيه الموظف إلى التقاعد.. أي في التوقيت نفسه الذي كان قد تسلم فيه آخر راتب.
هنا صمت الرجل.. وفهمت أنه لا يريد القول إن جهة العمل التي يعمل فيها الموظف تكون هي السبب في معظم -إن لم يكن في كل- الأحوال.. ذلك لأنها لا تبلغ الهيئة إلا متأخراً.. أو أنها ترسل أوراق ومستندات الموظف المحال إلى المعاش منقوصة.. بينما جهات العمل تتبع دائما مع الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي الأسلوب الماكر نفسه الذي تستخدمه مع ديوان الخدمة المدنية, بحيث إنها عندما تهمل أو تتقاعس في حق الموظف فإنها تلقي بالكرة أو الاتهام في وجه الطرف الآخر.. وتعلن براءتها من أي تقصير.. فالمقصر عند معظم الوزارات هو إما ديوان الخدمة المدنية وإما الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.
وأنا شخصيا نظرا إلى اهتمامي بشئون وأوضاع الموظفين والمتقاعدين أعرف أنه في بعض الوزارات تحدث حالات كيدية أو تصفية حسابات مع موظفين سواء في حالات الترقية أو الإحالة إلى التقاعد.. أي أن التأخير في إتمام إجراءات التسوية يكون عمدا مع سبق الإصرار والترصد.. يعني كنوع من أنواع الفساد، لذلك -ما دمنا نعيش زمنا تسود فيه ظاهرة أو آفة خراب الذمم والضمائر- يجب أن نعالج هذه الظاهرة الخطيرة بالتقنين، بمعنى أن الأمر يتطلب قانونا يحدد مدة لانتهاء التسوية.. وتتضمن عقوبات تنزل فوق رؤوس المقصرين والكائدين.. وإذا رفعنا الراية واعترفنا بأنه في غير استطاعتنا رد كيد الكائدين من المسئولين والمشرفين في الوزارات فيجب أن نسارع إلى إنشاء صندوق تكون مهمته صرف المعاش التقاعدي للموظف المتأخرة معاملته بصفة مؤقتة حتى يشتد عود كبار المسئولين أمام صغارهم، فهم المعوقون على الدوام, أو حتى ينتصر الخير على الشر.. المهم هو أن نخفف من وطأة هذه المآسي.
هذا من ناحية.. أما من الناحية الأخرى فأنا ألاحظ هذه الخطوات الطيبة يشار من خلالها إلى موظف الحكومة وحده.. وكأنه هو الذي يوجد على الساحة بمفرده.. بينما يوجد على الطرف الآخر في القطاع الخاص أعداد من الموظفين والعمال هم أضعاف أضعاف أعداد موظفي الحكومة ويحالون إلى التقاعد في كل يوم، وتتأخر تسويات معاشاتهم التقاعدية.. وتحدث لهم ولأسرهم مأسٍ.. أعتقد أنه بالإمكان أن يكون التشريع المطلوب وضعه لعلاج هذه الظاهرة شاملا لكل العمال والموظفين في الحكومة والقطاع الخاص.. علينا ألا ندمن ظاهرة إهمال موظفي وعمال القطاع الخاص على طول الخط.. فهم ليسوا أبناء البطة السوداء.. إنهم مواطنون، شأنهم شأن موظفي الحكومة ولهم أسر مثل أسرهم تماما.
أما الخطوة الطيبة الثانية لسمو رئيس الوزراء تجاه المتقاعدين فتكمن في قرار سموه بتيسير شراء مكافأة مدة الخدمة الافتراضية وضمها إلى المدة المحسوبة في المعاش التقاعدي في حدود (5) سنوات.. فهذا التيسير وهذه المنحة من لدن سموه تقتصر أيضا على موظفي الحكومة من دون موظفي القطاع الخاص الذين يشعرون بغضب شديد بسبب هذه التفرقة في المعاملة.. وقد جاء تعميم رئيس ديوان الخدمة المدنية المحدد لخطوات تنفيذ قرار سمو رئيس الوزراء بهذا الشأن والذي صدر الأسبوع الماضي مؤكدا أو مثبتاً حالة الخوف والغضب التي كانت تعتريهم.. وخاصة أن شراء مدد الخدمة بهدف تحسين المعاش التقاعدي في القطاع الخاص توضع أمامها ألف عقبة وعقبة، أهمها اشتراط أن تكون مدة الخدمة المراد شراؤها فعلية.. وليست افتراضية أو وهمية كما يحصل مع موظفي الحكومة.
وبمناسبة هذا الشهر الفضيل فإن موظفي ومتقاعدي القطاع الخاص يطمعون في نظرة حانية.. ولو مرة واحدة في العمر.