الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٧ - الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء

صداقات الفيسبوك .. وهم أم حقيقة؟











هنالك صيغة جديدة للصداقات بين الناس أصبحت سارية المفعول في السنوات الأخيرة، وهي صداقات إنسانية ربما تحمل الكثير من الالفة والحميمية والاعتزاز، لكن ما يميزها عن الصداقة التقليدية التي درجنا عليها في الحياة ان الأخيرة تتحكم بها تقاليد التكنولوجيا ومظاهر التطور العصري بينما تأتي الأولى معبرة عن شعور سليم ناجم عن لقاء حيوي وتعامل ملموس بين الآخرين.

ان العالم اليوم يطلق عليه "العالم الروتيني" لأسباب تتعلق بنوعية الصداقات والعلاقات التي تربط بين افراد المجتمعات وبسبب ضغط الحياة وانشغال الناس عن بعضهم بعضا بمشاغل حياتية كثيرة ابتعدوا عن بعضهم بعضا من دون ارادتهم ولا برغبتهم لكن صيغ الحياة الجديدة كانت حاضرة في فرض هذا النموذج الحياتي على افراد البشرية خاصة في الالفية الثالثة عندما نجح الانسان في ابتكار التكنولوجيا الحديثة التي أخذت تساهم الى حد كبير في انجاز أعماله وتحقيق فضوله الإنساني وتلبية حاجياته، وبالنتيجة انتفت بعض الشيء حاجة الانسان من الآخر لذلك أصبحت الآلة خير صديق لقائدها او شاغلها، الا ان هذه الأشكالية التي تتعلق بضعف التجانس الانساني أخذت تفتش عن صيغة جديدة لابقاء عنوان للصداقات والعلاقات الانسانية بديلا عن سابقتها وتتجسد في صيغة التواصل بين بعضهم بعضا عبر الآلة التكنولوجية، وامام ذلك أخذ الانسان اليوم يتواصل مع أصدقائه كثيرا عبر أجهزة الموبايل فيما شكلت تفرعات الشبكة العنكبوتية (الانترنت)وسائل جديدة لإدامة التواصل الانساني وتطويع المسافات البعيدة واختزالها عن طريق تحقيق لقاء مباشر من خلال جهاز موبايل او شاشة حاسوب.

ومهما قيل عن ذلك من توفر عنصر الايجابية وإمكانية تقريب البعيد عنك فإن الكثير من الدراسات الاعلامية المختصة أثبتت أن هذه الصيغ الجديدة التي باتت تتحكم بها آلآلة فرضت نمطا جديدا على نوعية الصداقات بين الناس يسمى "روتينية الصداقات" او "أشباه الصداقات". فالانسان اليوم امام هذا الطوفان الذي ابتكره بعقله أصبح تحول بسلوكه وتصرفه الى ما يشبه الآلة حيث أدمن عليها وتطبع بسلوكيات اجتماعية جديدة واخلص لهذه الآلة التي وجدها السبيل الوحيد لتحقيق واشباع حاجياته،وسكن قربها وقد ينام لساعات طوال وهو جالس امام شاشة الحاسبة او شاشة الموبايل.

وفي السنوات الخمس الأخيرة ظهرت على بني البشر نوعية صداقة جديدة كان ولايزال الكثير من الناس لا يؤمنون ولا يحبون ان تفرض عليهم صيغها او ليسوا مؤمنين بها لانها ربما تخدش حياءهم وخاصة لدى النساء على وجه الخصوص في العائلات المحافظة ،وهي صفحة الفيس بوك التي تتكون عبرها صداقات بين المشتركين في حسابات لهم عبر الانترنت، وواجهنا الكثير من النساء يرفضن الاستسلام لمفردة "صداقة" مع رجل آخر على انها اختراق شخصي غير مسموح به، على أي حال هي معضلة وقتية تواجه الناس الملتزمين بتقاليدهم الاجتماعية ولكنها بمرور الزمن ستكون واقع حال عند المعارضين لها رغم المخاطر التي رافقتها، والجانب الاخر في هذه الصداقات ان الكثير من طرفيها او اطرافها يقعون في فخ الكتابة غير المعبرة او في قضية غباء الآلة التي لا يمكن ان تكون بديلا عن الصداقة بمفهومها الحي، وهذا ناجم عن عدم تمكن الآلة مهما كانت قدرتها عالية في فرض سحر خاص على مستخدميها ان تكون بديلا ناجحا لتوفير التجانس ببعده الانساني السليم عن اللقاء الحي بين شخصين او أكثر فكثيرا ما تنتهي صداقات "فيسبوكية" حتى ببعدها الاجتماعي النقي الى نهاية فاشلة والسبب يعود الى غياب عنصر الثقة والى توافر صفة الكذب بين الصديقين وتحجج البعض بانه نائم والصفحة مفتوحة او الجهاز لا يرسل وهذه واحدة من اخطر ما تواجه الصداقات عبر الفيس بوك.

من هنا نقول ان الدراسات الاعلامية التي ظهرت مؤخرا بينت أن كثيرا من الصداقات عبر شبكات التواصل الاجتماعية سواء الفيس بوك أو التويتر او اليوتيوب او بقية واجهات الاتصالات العصرية الاخرى لم تحقق مبتغاها في إيجاد حالة الانسجام، فالناس رغم صداقاتهم التي يرتبطون بها باصدقاء "فيسبوكيين" لكنهم يبقون غرباء عن بعضهم بعضا دون ان تتوفر الثقة المطلوبة في البوح بالاسرار وابداء الرأي بكل أريحية وراحة بال.

وتشير دراسة اجتماعية الى ان فتاة تقدم لخطوبتها رجل مناسب بعد ان دام بينهما مشوار طويل من التفاهم عبر الفيس بوك دون تحقيق لقاء مباشر لان كلا منهما يعيش في بلد آخر(عربيين) فسألت الام ابنتها من اين تعرفين الرجل المتكامل الشخصية؟ فأجابتها قائلة ارتبطنا بصداقة قديمة عبر الفيس بوك وتفاهمنا على كل شيء، لكن الأم امتعضت كثيرا ورفضت العائلة هذا الخطيب، ان هذه الحادثة تدل على ان الاتصال عبر شبكات التواصل الاجتماعية او ما يطلق عليه الاتصال غير المواجهي عبر الالة التكنولوجية يبقى بنظر المجتمعات الشرقية ومنها العربية خاصة مشكوكا به وتكوين الصداقات عبره ليست معبرة عن الواقع الانساني.

لكن ما مطلوب من وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات الثقافية المختلفة البدء بمشروع توعية بين أفراد المجتمعات للتوضيح بمخاطر هذه الصداقات وايجابيتها، وانه ليس خطأ عندما تبنى صداقة مع طرف آخر من الجنسين اعتمادا على وهم سحرها بل عليهما تحقق اللقاء المباشر خاصة في القضايا المهمة، لازالة هذه الصبغة السلبية الوهمية سيما اذا ما حصل بين الصديقين مشروع اجتماعي او اقتصادي او ثقافي ولنجعل الفيس بوك خطوة أولية في انجاز مشروعاتنا الإنسانية المتعددة بإطارها الايجابي لا أن نجعله كل شيء وبالنتيجة تكون نتائجها حتما سلبية.



* كاتب وصحفي عراقي

moc.oohay@٦٦٩١hmF







.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة