الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

الإنسان الصابر

تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢



قال تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" الزمر .10
وهذه آية جليلة، فيها من البشارات الشيء العظيم، فثواب الصبر عند الله تعالى عظيم وجليل، ومقام الصابرين عنده سبحانه لا يرقى إليه أي مقام، فهم وحدهم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولن ينصب لهم ميزان، ولن ينشر لهم ديوان، وهذان هما أدوات المحاسبة يوم القيامة: الميزان والكتاب.
والصبر شطر الايمان، والشكر شطره الثاني، ولا يتحقق كمال الايمان في المسلم حتى يصبر في الضراء، ويشكر في السراء.
والصبر الذي يرتقي بالمسلم إلى ذلك المقام الرفيع، ويقلده مولاه عز وجل أوسمة الشرف والكرامة، له شرطان، الأول: الرضا، والثاني: الاحتساب.
وهو الصبر الجميل الذي اتصف به نبي الله يعقوب عليه السلام حين قال اخوة يوسف عليه السلام إن الذئب قد أكله، فكان جواب أبيهم هو "... فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون". يوسف/.18
فعلم الله تعالى صدق إيمان عبده ورسوله يعقوب (عليه السلام) فجزاه بأن أعاد إليه ولده وبوأ يوسف في مصر مقاما كريما.
إذًا، فعلى المسلم أن يكون صابرا راضيا محتسبا حتى ينال أجر الصابرين، ويرقى إلى المنزلة التي اختارها الله تعالى لهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
والصبر والاحتساب صفتان يتصف بهما المؤمن القوي الذي يحرص على ما ينفعه، ويتلمس الطرق المؤدية إليه وهو الذي لا يعجز، ولا يستسلم إذا مسه ضر أو وقع به بلاء، وهو المستعين بالله دائما الذي يواجه الشيطان، ويرد كيده إلى نحره بقوله إذا أصابه شيء: قدر الله وما شاء فعل، ولا يقول لو فعلت كان كذا وكذا لأن لو تفتح عمل الشيطان.
هذا هو المؤمن القوي، الصابر المحتسب، الذي لا تزلزله الخطوب، ولا يضعف إذا وقع به بلاء، بل يتسلح بكل أسلحة المؤمن التي ذكرها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث المشهور الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وان أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم، وأخرجه برقم .2664
وعلى المؤمن ألا ينتظر وقوع البلاء به حتى يبدأ إعداد ما يلزمه من قوة ومن رباط الخيل، بل عليه ان يدرب نفسه، وأن يستنهض همته لمواجهة أي بلاء قد يقع عليه، وذلك بفهم أسباب البلاء، وهل هي من نفسه بسبب تفريطه، أم هي من خارج ذاته، لا يد له فيها؟ فإن كانت الأولى يصلح من شأنه، ويتجنب أسباب البلاء، ويستغفر ويتوب، ويعزم عزما أكيدا على ألا يعود إلى مثله.
وإن كانت الأسباب خارجة عن إرادته، ولا يد له فيها، فيكفيه أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله تعالى، وأن يزيد في الطاعات، ويكثر من القربات.
إذًا، فالصبر سلاح قوي إذا امتلكه المؤمن وأحسن استعماله أعانه على مواجهة البلاءات، والصبر عليها، واحتساب الأجر عند مولاه عز وجل، والصبر سلاح لا يفل حده، ولا ينتهي تاريخ صلاحيته بخلاف الأسلحة المادية التي يصنعها البشر، ويتسلحون بها لمواجهة أعدائهم.
ولأن الصبر سلاح ذو نصر شامل أوصى به الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حين قال:
" وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)" فالصبر حين يكون بالله تعالى فإنه سلاح لا يغلبه سلاح، وقوة لا تعادلها قوة، وثمرته مرجوة لا محالة، وخيره غير مجذوذ، وعطاؤه لا حد له.