الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب

هل تكون سوريا عراقا آخر؟

تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢



أملي أن تنجح قوات المعارضة السورية في القضاء على النظام الدكتاتوري في دمشق وتثبت أنها ديمقراطية المنهج. ذلك ما نأمله اليوم جميعا. للأسف فإن فرص حدوث مثل هذا السيناريو ؟ الذي يعتبر الأمثل ؟ تبدو محدودة.
لماذا ابدو متشائما؟ لأن سوريا تشبه العراق المجاور إلى حد بعيد. بل إن سوريا توأم العراق من حيث انها دولة متعددة الطوائف، تحكمها أقلية بقبضة حديدية تستلهم من الايديولوجيا البعثية أسسها الدكتاتورية.
بالنسبة إلي الدرس في غاية البساطة: لا يمكن بأي حال من الأحوال المرور من عراق صدام حسين إلى سويسرا التي نعرفها من دون ارتكاب أمهات الأخطاء والدخول في حرب دونكشوطية ضد الجميع وضد وجود قوة خارجية مدججة بالسلاح ويخشاها الجميع على الأرض، وذلك للإشراف على عملية الولادة العسرة، أعني ولادة الفترة الانتقالية.
ذلك هو الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في عراق ما بعد صدام حسين. أما في ليبيا فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي قد قادا عملية عسكرية عن بعد، منخفضة التكاليف، الأمر الذي أدى إلى الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي والبدء بالولادة العسرة في ليبيا من أجل إنجاح الفترة الانتقالية.
يستبعد أن يتكرر هذا السيناريو الليبي في سوريا، ذلك أن سوريا أكثر صعوبة من ليبيا، كما أن سوريا هي العراق وليست ليبيا.
لقد عاشت الولايات المتحدة الأمريكية تجربة مريرة جد في العراق حتى اننا نفضل عدم الخوض مجددا في هذا الفصل القاتم من تاريخنا. رغم ذلك تظل التجربة العراقية مهمة في واقع الحال. إذا كان العراق سيخرج بنتيجة إيجابية ؟ ولو كانت ضئيلة ؟ فإن الفضل في ذلك يعود إلى وجود عشرات الآلاف، من الجنود الأمريكيين الذين أشرفوا على فترة الولادة العسرة والذين كانت كل الأطراف تخشاهم، الأمر الذي أسهم في تكريس الحد الأدنى من السياسات الوفاقية في العراق. لدي شعور قوي بأنه لابد من القيام بالدور نفسه في سوريا ما بعد الدكتاتور بشار الأسد إذا كنا نريد أن نقي سوريا من الانزلاق في أي منزلقات خطرة.
وبما أنني لا أدعو إلى تدخل عسكري أمريكي ؟ سواء في سوريا أو في أي منطقة أخرى من العالم العربي، وبما أن الرأي العام الأمريكي لن يقبل أبدا بذلك ؟ فإنني آمل أن يكون تحليلي خاطئا وأن يفاجئنا السوريون مفاجأة سارة وينجحوا في تلمس طريقهم بأنفسهم ؟ بمساعدة دبلوماسية وببعض السلاح ؟ من أجل بناء مستقبل أفضل لبلادهم.
أنا أعلم جيدا أنه يجب على كتاب الأعمدة أن يتبنوا لغة قوية وواضحة ويقولوا ما يجب أن يقال وينبهوا إلى كل ما هو ضروري. أعتقد أن أولئك الذين ظلوا يطالبون بتدخل عسكري أمريكي في سوريا ويوجهون أسهم انتقاداتهم للرئيس باراك أوباما لعدم القيام بذلك غير واقعيين بشأن النتائج التي قد تسفر عنها مثل هذه الخطوة.
لماذا؟
في منطقة الشرق الأوسط نجد أن البديل عن "السيئ" لا يكون دائما "الجيد" بل إن البديل قد يكون "الأسوأ". أنا معجب جدا بشجاعة أولئك الثوار السوريين الذين بدأوا هذه الانتفاضة السلمية من دون رفع السلاح ضد نظام يحتكم إلى ما أسميه "مبادىء مجزرة حماة" التي لا تمثل أي مبادئ البتة. لم يتوان نظام بشار الأسد الدكتاتوري عن قتل المتظاهرين الذين كانوا يعارضونه بسواعدهم العارية، ساعيا في الوقت نفسه إلى تحويل النزاع إلى صراع ما بين الأقلية العلوية الحاكمة بقيادة عصابة الأسد من ناحية والأغلبية السنية من ناحية ثانية. لذلك فإن البديل عن دكتاتورية الأسد قد يكون انفجار سوريا برمتها، ذلك أن العلويين قد ينكفئون إلى مناطق نفوذهم الساحلية وهو ما يمثل وصفة لحرب أهلية لا نهاية لها.
هناك أمران اثنان قد يجعلاننا نحيد عن هذه النتيجة: يتمثل الأمر الأول في البديل العراقي عندما حشدت الولايات المتحدة الأمريكية الجيوش وغزت العراق وقطعت رأس نظام صدام حسين. فقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق وحولته من دكتاتورية تقودها أقلية سنية إلى ديمقراطية، وإن كانت هشة، تقودها أغلبية شيعية لها حساباتها المختلفة.
لقد تسببت الولايات المتحدة الأمريكية بعدم كفاءتها ؟ إلى جانب طبيعة العراق نفسه ؟ في إشعال فتيل الحرب الأهلية الطائفية البغيضة التي شاركت فيها كل الأطراف العراقية ؟ من شيعة وسنة وأكراد ؟ الأمر الذي وضع توازن القوى الجديد والهش على المحك وأثخن كل الأطراف بجراح غائرة، فضلا عما عاشه العراق من مآس وعمليات للتطهير العرقي أعادت رسم التوزيع العرقي والطائفي في البلاد.
لقد أسهم الوجود العسكري الأمريكي في احتواء تلك الحرب الأهلية والحد من عمليات التطهير العرقي ومنع الصراع من التوسع والوصول بالتالي إلى الدول المجاورة. عندما حطت الحرب الأهلية أوزارها ؟ واستنفدت كل الأطراف قواها وأمكن الفصل بينها ؟ نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في التوسط في صياغة دستور يضمن الحد الأدنى من التوافق وتقاسم السلطات. لقد كان ثمن العملية الانتقالية باهظا جدا سواء من حيث الأرواح أو الخسائر المادية، علما أن الديمقراطية العراقية لاتزال تعاني هشاشة كبيرة وانعداما واضحا للاستقرار.
يستبعد أن تتدخل قوة خارجية من أجل المساعدة على الولادة العسرة للمرحلة الانتقالية. لذلك فإنه لابد للثوار على أرض الميدان أن يتولوا هذه العملية الحساسة بأنفسهم ما بعد نظام بشار الأسد الدكتاتوري. لن تكون هذه مهمة يسيرة ما لم تحدث مفاجأة من شأنها أن تجعل مختلف الأطراف تبني جبهة سياسية موحدة تبني سوريا الغد، ربما يكون ذلك بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والمملكة العربية السعودية. يجب أن تكون هذه الجبهة مفتوحة أيضا أمام العلويين والمسيحيين المعتدلين الذين اضطروا إلى تأييد آل الأسد خوفا من بطش آل الأسد والموافقة ايضا على بناء نظام جديد يحمي حقوق الأغلبية والأقلية على حد السواء. سيكون من الرائع استبدال سوريا ديمقراطية تنأى بنفسها عن كل فوضى بالمحور الاستبدادي (الأسد ؟ روسيا ؟ إيران ؟ حزب الله).