الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش

تحذيرات خلفان ليست مناوشات عبثية

تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



ليست المرة الأولى التي يحذر فيها قائد عام شرطة دبي ضاحي خلفان من الخطر الذي تشكله جماعة الاخوان المسلمين على بلاده والعديد من البلاد العربية التي تنشط فيها، فقد سبق للقائد الإماراتي أن اتهم الجماعة بالعمل على إحداث شقاق في المجتمعات التي تنشط فيها، فرجل يحتل الموقع الذي فيه خلفان لا يمكن أن يلقي اتهامات لا تستند إلى أدلة مادية بين يدي الأجهزة التي يديرها، فالقائد الإماراتي ليس بحاجة إلى أن يفتح جدلا مع هذه الحركة لمجرد إحداث مناوشات معها، كما أن حديثه التحذيري الأخير يجب عدم فهمه على خلفية الاعتقالات التي طالت عددا من الناشطين الإماراتيين المحسوبين على حركة الاخوان المسلمين، لأن مثل هذه التحذيرات سبق لضاحي خلفان أن أطلقها قبل هذه الاعتقالات.
بعد الثورات التي شهدها العديد من الدول العربية ووصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في كل من مصر وتونس، كل هذه التطورات التي صبت في مصلحة الحركة في مختلف الدول العربية، أعطت جرعة من الحماسة لفروعها المنتشرة في جميع هذه الدول التي من المؤكد أنها تنظر بعين الريبة والحذر من أنشطة الجماعات الإسلامية التي تستظل بظل المرشد، وهو ما قال عنه خلفان ان بعض الإخوانيين الإماراتيين بايعوا المرشد، وهو ليس بالأمر الغريب والمستبعد، فحركة الاخوان المسلمين، حركة عالمية لها فروع في العديد من الدول وهي ملتزمة تماما بتعليمات المرشد.
حركة الاخوان المسلمين وغيرها من حركات الإسلام السياسي لها برامج وأهداف معلنة تخفي وراءها أهدافا أخرى لا يمكن لهذه الحركة وغيرها من حركات الإٍسلام السياسي أن تبوح بها، لأنها باختصار تريد أن تعمل على سطح الأرض كي تتمكن من تقوية حضورها الجماهيري بقوة القانون، ولكنها إن أعلنت أهدافها وبرامجها السياسية الحقيقية، فإن الدول العربية والخليجية أيضا، لن تسمح لها بممارسة عملها، بما فيه الخيري، إذ ان تلك الأهداف والبرامج تشكل تهديدا حقيقيا لأنظمة الحكم القائمة، ذلك أن حركة الاخوان المسلمين وغيرها من قوى الإسلام السياسي تستهدف أنظمة الحكم من أجل إقامة ما تسميه "دولة الخلافة الإسلامية".
هذه البرامج والأهداف غير المعلنة للجماعة، هي واحدة من الأسباب التي دفعت بقائد عام شرطة دبي إلى التحذير من خطر هذه الحركة على أنظمة الحكم ليس في دول الخليج العربي فقط، وإنما في العديد من الدول العربية، مستخدمة الدين الإسلامي في الترويج لأنشطتها العلنية وتعزيز أجندتها السرية لتوسيع رقعة حضورها الجماهيري، وخاصة في هذه الظروف حيث يشهد الإسلام السياسي صعودا غير مسبوق في تاريخ عملها، وهو من العوامل التي رفعت من سقف الطموحات التي تسعى إلى تحقيقها في الدول التي تعمل بها، أسوة بما حققته شقيقاتها في تونس ومصر، وما تسعى شقيقتهم الثالثة إلى تحقيقه في سوريا.
لكن لا يكفي فقط أن نحذر من مخاطر من سماهم ضاحي خلفان بالمتآمرين على دولنا وشعوبنا، وإنما تجب مواكبة ذلك بالمزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في أنظمة الحكم العربية كي تبني المزيد من الانسجام ومواجهة العديد من المشاكل التي تعانيها الشعوب العربية بسبب غياب الشفافية السياسية والاقتصادية، فإحداث المزيد من الإصلاحات في مختلف الجوانب من شأنه أن يعزز الجبهات الداخلية ويسهم في تقويتها في وجه مثل هذه المؤامرات، سواء جاءت من قوى سياسية داخلية تعمل على تحقيق أجندات وأهداف سرية، أو جاءت من قوى خارجية هدفها إضعاف دولنا والسيطرة على مسار القرارات الاستراتيجية بأساليب مختلفة.
نتفق مع ما قاله خلفان بشأن الاستهداف الخارجي، فبلادنا العربية هي بالفعل واقعة تحت تهديد متشعب المصادر داخليا وخارجيا، وحبذا لو أن مدير عام شرطة دبي لم يقتصر مصادر هذا التهديد على حركة الإخوان المسلمين وإيران وسوريا، إذ ان التهديدات التي تتعرض لها دولنا العربية وشعوبنا لها مصادر كثيرة بما فيها الدول التي يعتبرها العديد من الدول العربية حليفة وصديقة لها، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكثير من الدول الأوروبية التي عاثت في دولنا العربية تخريبا وتدميرا.
فما حدث للعراق وليبيا ليس مفصولا عن المؤامرات التي تحاك ضد الدول العربية، إذ كان الهدف الوحيد هو تخريب هذه الدول وجعلها غير قادرة على السيطرة على قراراتها السيادية والاستراتيجية كي تسهل على الدول التي حاكت وشاركت في عمليات التخريب تحقيق المبتغى من وراء ذلك العمل، وما يحدث لسوريا الآن ليس سوى امتداد، وإن بصورة مختلفة، لما نفذ بحق العراق وليبيا، وبالمناسبة فإن المحطة السورية، لن تكون محطة التخريب النهائية في عالمنا العربي، ومن يعتقد ان إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بالطريقة التي تحدث الآن، سيعطي الحرية والاستقرار للشعب السوري فهو مصاب بالوهم نفسه الذي كان مسيطرا على أولئك الذين شاركوا واسهموا في تخريب العراق وليبيا.