الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

اللؤلؤ.. أو طريقه السياحي

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢



في عام 1929 غادر سواحل المحرق والمنامة أسطول ضخم لصيد اللؤلؤ وعليه 29 ألف منضوٍ في رحلة الغوص سنوية. ربما كانت الرحلة الكبرى قبل أن ينكفئ اقتصاد اللؤلؤ، وأعتقد أن آخر سفينة ذهبت إلى الغوص كانت في خمسينيات القرن الماضي. بعدها كسدت صناعة الغوص وانهارت تماما، وما عاد اقتصاده يلد نفسه ويتجدد.
وليس بين الدول بأحق من استعادة تاريخ اللؤلؤ أكثر من البحرين، ولا من المدن بأكثر من المحرق، وربما سيدر الحديث عن تاريخ اللؤلؤ دخلا مرموقا على البحرين، فرواية الحكاية هي سرد لتراث إنساني يضرب في التاريخ لما يقرب من خمسة آلاف عام، وهذا نشاط سياحي واعد ويشكل عرض تاريخ الغوص فكرة مبدعة وقابلة للتسويق. ولربما قدم كثيرون للاستماع للرواية البحرينية بحثا عن ثقافة رفيعة وسياحة جميلة واستمتاع حضاري.
ويعتقد الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية طالب الرفاعي أن سياحة البحرين قصة نجاح، فقد ارتفع عدد زائري المملكة (وليس كلهم سياحا بالطبع، الذين لا توجد حتى الآن إحصاءات عنهم منذ عام 2007) من 4 ملايين زائر عام 2000 إلى 10 ملايين زائر لعام 2010، وتضاعفت عوائد السياحة في عشر سنوات، من600 مليون دولار أمريكي عام 2001 إلى 1.4 بليون في 2011.
وهو يرى أن تنشيط السياحة لزيارة موقع ما سيوفر دخلا قد يفيد في الصرف على موقع حضاري آخر للمحافظة عليه وتسويقه أيضا، ومن هنا يمكن التقاط ربطٍ بين السياحة والثقافة. وتوجد أفكار كثيرة حول ما يمكن تطويره للجذب السياحي.
وتشير تجربة البحرين والدول الخليجية السياحية إلى أن السياحة الحديثة لا ترتبط بوجود مواقع تاريخية للزيارة، وإنما تتعلق بشكل كبير بكمية الخدمات المبدعة وجودتها، فالحضارات السابقة والعيش في الجزيرة العربية لم يتركا كثير آثار عينية في دول عاشت في مناخ صحراوي قاس وبشظف من العيش، ولكن ذلك لا ينفي أن البشر قد عاشوا هنا وأنتجوا حضارة، شفاهية بالأساس، تضيف لمنجزات الإنسانية. فان تقول إن جزر البحرين وبحارها المحيطة كانت موقعا لنشاط اقتصادي استمر خمسة آلاف عام لا يكفي إن لم تنقل المهمة من دائرة الرواية الشفهية، إلى سرد تراه العين وتحسه اليد.
ولقد تمكنت مؤسسات كثيرة في دبي وأبوظبي من جذب سائح يقْبَل أن يدفع لقاء زيارته لصحراء قاحلة بسبب جِدة ما سيرى، ولجودة الخدمات المقدمة، ولوجود كثير مما يمكن زيارته والاستمتاع به.
وهذا هو التحدي الذي سيواجه السياحة البحرينية والخليجية: تسويق التجربة الإنسانية التي عاشت في صحرائهما ونشطت على سواحلهما وركبت البحار استكشافا وتجارة. وهذا يتطلب تفكيرا مبدعا وخدمات راقية وجودة في العروض المقدمة وأسعارا تنافسية.
وإذا ما كانت بلدان المصدر السياحي، أوروبا وأمريكا، تمران بظروف صعبة، فهذا عارض سيتغير. حينها يستوجب على مقدمي الخدمات أن يكونوا مستعدين.