الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات

الإنسان البارّ

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢




البر في الاسلام هو جماع كل خير وليس مقصورا على العبادات التي كلف الحق تبارك وتعالى بها عباده، بل إن من علامات قبول العبادة اثرها في سلوك الانسان مع غيره من الناس، فكأنما البر يتعدى العبادة إلى اثرها الذي تحدثه في سلوك العابد مع الناس.
واعظم تعريف للبر نجده في قوله تعالى: "لَّيْسَ الْبِرَّ أن تُوَللاواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"البقرة/ .177
هذا هو البر كما يعرفه القرآن الكريم، كتاب الاسلام الخالد، ومعجزته الباقية ما بقي الزمان والمكان.
ولهذا فوصف الانسان بأنه بارّ وصف عظيم القدر، جليل الشأن، فحين يكون الانسان بارا، فهذا يعنى أنه جمع كل خصال الخير التي جاءت بها سورة البقرة عند حديثها عن حقيقة البر، ونفت أن يستحق وصف البارّ من توقفت طموحاته الايمانية عند أداء الصلوات فقط، ولم تتجاوزها إلى النفع العام للمجتمع، والبذل الكثير من الجهد والمال لمن هم في حاجة إليهما.
الانسان البار إذًا، لابد ان تكون طموحاته الايمانية تتجاوز ذاته ومن يعول إلى شرائح كثيرة في المجتمع وهذا ما تؤكده السورة الجليلة (سورة الانسان) في حديثها عن الإنسان وهو الانسان البار، فتقول السورة: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا × عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا" الآية .65
ويعجب الانسان حين يقرأ استهلال هاتين الآيتين عن الانسان البار بهذه الكيفية كأن في ذلك اشارة واضحة إلى اثر ما يتناوله الانسان من مطعومات ومشروبات على ايمانه وعمله، وأن لابد للإنسان من الحلال في كل ما يأكل ويشرب حتى تكون ثمرة جوارحه التي غذيت بالحلال، حلالا طيبا.
ولأن هذا الانسان الذي اهتمت به سورة الانسان هذا الاهتمام قد اكتسب وسام البر من الدرجة الأولى فإن ما يصدر عنه من أقوال وأفعال يؤهله لذلك التشريف.
وتواصل السورة الجليلة حديثها عن الانسان البار فتقول: "يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9) إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا (10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12)".
كيف تحولت تلك النطفة التي لم تكن قبل ذلك شيئا مذكورا إلى هذا الانسان البار الذي يشغله هم غيره، ويسعى جاهدا إلى رفع ذلك الهم، واعادة البسمة المشرقة إلى وجوه بائسة طالما عانت الفقر والحرمان وانفضاض الناس من حولها؟
وتواصل السورة وصف الجزاء العظيم الذي أعده الله تعالى لأمثال هذا الانسان، ثم تختم السورة الجليلة حديثها عن هذا الانسان بقولها: "إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا" الآية .22
وهكذا تحدثت السورة عن الانسان الشاكر والانسان البار في بيان واضح، وفي تفصيل غير ممل، وبينت رحلة الانسان من قبل ان يكون شيئا مذكورا إلى ان اصبح ملء السمع والبصر ليس عند الناس فقط،