الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء

هل بات سقوط الأسد مؤكدا أم أنه يُنذر بحرب متشعبة الأطراف؟

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢





قد تُنبئ تطورات الأحداث الأخيرة على المشهد السوري عن مؤشر لانفلات مقاليد السيطرة الحكومية على الوضع العام، فالتفجير الذي طال مركز الأمن القومي وأودى بكوكبة من نخبة القيادة العليا للنظام يعد ضربة قاصمة جدا لركيزة الحكم في ذلك البلد، وان القيادة في حاجة إلى فترة من الوقت لتتعافى من إرهاصات ذلك الحدث، وبغض النظر عن اختلاف وجهات النظر حول ماهية تلك العملية ومن يقف وراءها إلا أن المؤشر الواقعي الأقوى يؤكد أن تلك التفجيرات تقف وراءها أجهزة استخبارات متطورة ومتمرسة جدا في القيام بمثل تلك العمليات، فالوصول إلى موقع مثل الذي حدث فيه الانفجار يتصف بحراسة ورقابة أمنيتين مشددتين، وفي مثل تلك الظروف التي تعيشها سوريا لا يُفسر إلا بحصول اختراق فعلي في المنظومة الأمنية للنظام، هذا إذا استثنينا نظرية مؤامرة النظام على رفاقه وتصفيتهم لدوافع مرحلية مُلحة وهو أمر نستبعده فعليا أن يُقدم النظام عليه في مرحلة بالغة الحساسية، ومع ذلك تبقى حقيقة أن تلك الحادثة قد حققت كسبا معنويا كبيرا للمعارضة وقواها كما تسببت في تقديرنا بتنامي حالة الروح الانهزامية لدى الكثير من ضباط الجيش والوفود الدبلوماسية بالخارج.
ولكن الأمر الذي يعده المراقبون تطورا بالغ الخطورة ومن الضرورة الوقوف عليه هو الوجه الاخر الخفي من المشهد وما يُعد في الخفاء من سيناريو لمشهد الأوضاع السورية والمنطقة، إذ ان التصريحات الأخيرة للمتحدث الحكومي السوري جهاد مقدسي المتعلقة بالشأن الكيميائي ومفادها أن سوريا لن تستخدم أي نوع من تلك الأسلحة ضد أي من رعاياها إلا أنها لن تتردد في استخدامها في حال ما تعرضت لأي عمل عسكري قد يقع عليها من الخارج، فأولا: ما يُعرف عن القيادة في سوريا أنها بالغة الحذر والحصافة في اطلاق التصريحات وانها لا تنتهج التصريحات النارية إلا ان مثل تلك التصريحات تعد خارجة عن مألوف النهج السياسي البعثي العربي السوري.
ثانيا: من الحماقة والتهور أن تعلن أي قيادة رسميا أنها تمتلك بحوزتها مثل تلك الأسلحة المحرمة دوليا ولذلك يعد هذا التصريح مستغربا جدا على النهج السياسي السوري إلا إذا كان هناك مرحلة تصعيدية فارقة سوف تتعرض لها سوريا في مقتبل الأيام.
إن الحديث المتداول اليوم في كواليس صنع القرار الغربي هو عزمهم على القيام بعمل عسكري موجه مباشرة لضرب الإمكانات العسكرية السورية وهو ما قد يُفسر خروج سوريا عن تحفظها وإعلانها امتلاك مثل ذلك السلاح الذي قد يُشكل عامل ردع لصد الغربيين عن القيام بأي عمل عسكري مباشر، ولذلك ربما جاء هذا التصريح الذي لابد انه يُخفي خلفه علامات استفهام بالغة الرصد والخطورة فهو وعلى كونه قد أثار حفيظة الدول الغربية كما تسبب بنقد شديد من قبل الحليف الروسي، إلا أننا هنا سنحاول استقراء ماهية بعض الأسباب الخفية من وراء تلك التصريحات فهل هي أطلقت نتيجة لفقد القيادة في سوريا وضع التوازن؟ أم أن خلفها ما هو ابعد من ذلك؟
واستنادا إلى ما تقدم مما يشاع في هذه المرحلة عن عزم الغربيين على الاقدام على عمل عسكري تجاه سوريا وقد تطرق الأخ عبدالباري عطوان في افتتاحيته قبل يومين لهذا السيناريو الذي يُعد في الخفاء وتحديدا في بريطانيا وسوف يكون موجها ضد القيادة السورية وعجلتها العسكرية، وهو الأمر الذي ربما حمل السوريين على مثل تصريحات كهذه للتلويح بها كاجراء احترازي معاكس لأي هجوم أو ربما تكون هناك صورة أخرى لدوافع الموقف السوري، فقد تنم تلك التصريحات عن أن السوريين وحلفاءهم الروس والإيرانيين تحديدا قد وصلوا إلى مرحلة من ضرورات التصعيد لتفجير الموقف برمته ووضع حد للخناق والاستهداف اللذين تمارسهما الدوائر الغربية عليهم مما دفعهم إلى تنسيق المواقف أكثر وتبني الخيار النهائي لعملية الحسم والمواجهة، وهو عامل اخر قد يفسر التصريحات السورية الأخيرة، إذ انه من شأن تلك التصريحات أن تُربك الجانب الإسرائيلي وتحمله على زيادة الضغط على دوائر صنع القرار الغربي والأمريكي للتدخل بعمل عسكري ضد سوريا، وهو ما من شأنه أن يفجر الوضع برمته في المنطقة، وذلك في حال إذا ما اتخذ الجانبان السوري والإيراني فعليا قرار الحسم بالمواجهة العسكرية، فانهما سوف يسعيان إلى استدراج الغرب للابتداء بهما عسكريا، وهنا أيضا سوف يكون ذلك هو المخرج الوحيد لبعثرة كل حسابات الضغط الغربي وأساليبه للعزل السياسي والاقتصادي التدريجي الممنهج تجاه البلدين.
وما يُخشى منه في حال إقدام الدوائر الغربية على عمل عسكري ضد سوريا أن يدفع ذلك إلى نشوب تداعيات خطرة سوف تُدخل المنطقة في حرب بالغة الخطورة والتشعبات، كما قد تؤدي إلى اصطفافات دموية تطول المنطقة برمتها، وليس من المستبعد هنا أن يكون هناك توافق ضمني بين روسيا والصين وإيران وسوريا على ألا تتراجع الصين وروسيا عن استخدام حق النقض "الفيتو" في المسألة السورية حتى النهاية، مقابل ألا تقف إيران مكتوفة اليد في حال أقدم الغرب على عمل عسكري مباشر تجاه سوريا وهذا الأمر يأتي نتيجة لحسابات الجانبين الروسي والصيني بإعادة توازنات المشهد العالمي وإعادة ترسيم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة وعدم السماح للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بالاستفراد بمقدرات المنطقة.
إن التصعيد الغربي الأخير تجاه سوريا وتجاه الإيرانيين ووضع الملاحة في مضيق هرمز وما يكتنفه من تعزيزات عسكرية غربية على اثر التلويح الإيراني بغلقه هما أمران لهما حساباتهما الاستباقية لدى كل الأطراف وهما في تقديرنا متلازمان في هذه المرحلة، ولذلك نعتقد أنه ربما يجب أن تُحمل التصريحات الإيرانية بإغلاق المضيق هذه المرة على محمل الجد وخصوصا إذا أقدم الغرب على عمل عسكري ضد سوريا.
صحيح ان إيران تتصف بسياسة براجماتية إلى ابعد الحدود وأنها تجيد استثمار الأوراق للوصول إلى غايتها وأنها لا تُجازف بالدخول في أي عمل عسكري غير محسوب إلا في الحالات التي لا مناص منها، إلا أن الوضع هنا فارق جدا بحيث لا نُبالغ إذا ذهبنا إلى أن الحليف السوري يعد من صلب أولويات الاستراتيجية الإيرانية وأمنها القومي وان التخلي عنه يعني تخلي إيران عن كل ما سعت إلى بنائه من محاولات فرض نفسها في الواقع الدولي والإقليمي عبر السنين الماضية وان خسرانها الحليف السوري سوف يعني انكماشها على نفسها وتحللها أو الخضوع للإملات الغربية، وهو ما قد يكون مستبعدا بعد الشوط الماراثوني الطويل الذي حققته في البناء النووي الذاتي.
كما لابد من الأخذ في الحسبان أن نتائج معركة حلب القادمة سوف تؤثر حتما في هذا المشهد وتداعياته وسوف تُغير توازنات الوضع وربما تُعّجل أكثر بالدفع نحو مرحلة حسم الخيارات.